كليهما.
قلت : أصالة الحلّ غير جارية هنا بعد فرض كون المحرّم الواقعي مكلّفا بالاجتناب عنه ، منجّزا على ما هو مقتضى الخطاب بالاجتناب عنه ؛ لأنّ مقتضى العقل في الاشتغال اليقيني بترك الحرام الواقعي هو الاحتياط والتحرّز عن كلا المشتبهين ، حتّى لا يقع في محذور فعل الحرام ، وهو معنى المرسل المروي في بعض كتب الفتاوى : (اترك ما لا بأس به حذرا عمّا به البأس) (١). فلا يبقى مجال للإذن في فعل أحدهما ، وسيجيء في باب الاستصحاب ـ أيضا ـ إنّ
____________________________________
أي : أنّ أصالة الحلّ في كلّ طرف لازمها حرمة الآخر ، بمقتضى العلم الإجمالي بالحرمة ، فتعارض أصالة الحلّ في كلّ طرف بأصالة الحلّ في الطرف الآخر ، والحكم بعد عدم جواز طرح الأصلين وعدم إمكان الجمع بينهما في العمل هو التخيير ، إذ هو غاية ما يمكن أن يؤخذ به ، وبه يحصل الجمع بين الدليلين المتعارضين ، وبذلك يكون الحاصل هو عدم وجوب الموافقة القطعيّة.
(قلت : أصالة الحلّ غير جارية هنا).
والجواب عن الوجه المذكور يمكن بأحد وجهين :
أحدهما : عدم تسليم جريان أصالة الحلّ في مورد العلم الإجمالي ، وذلك أنّه بعد تنجّز التكليف بالحرمة ، ووجوب الاجتناب عن الحرام المعلوم إجمالا ، وحكم العقل بوجوب الاحتياط ، وكون الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة المتوقّفة على اجتناب كلا المشتبهين ، لا يبقى شكّ حتى تجري أصالة الحلّ ، وذلك لتقدّم قاعدة الاشتغال عليها بالحكومة.
وثانيهما : إنّه بعد تسليم جريان أصالة الحلّ في كلّ طرف من طرفي العلم الإجمالي ، وتعارض الأصلين فيهما نمنع أن يكون الحكم هو التخيير ؛ وذلك لأنّ مقتضى الأصل الأوّلي في تعارض الأصلين هو الحكم بالتساقط لا التخيير.
نعم ، التخيير في تعارض الخبرين إنّما ثبت من جهة الأصل الثانوي والأخبار الواردة في باب التعارض ، ويرجع بعد تساقط الأصلين بالتعارض إلى ما دلّ على وجوب
__________________
(١) مصباح الشريعة : ٣٩ ، بتفاوت.