وأمّا ما ورد من دوران الأحكام مدار السهولة على الأغلب ، فلا ينفع في ما نحن فيه ، لأنّ الشبهة الغير المحصورة ليست واقعة واحدة حكم فيها بحكم حتى يدّعى أنّ الحكم بالاحتياط في أغلب مواردها عسر على أغلب الناس ، فيرتفع حكم الاحتياط فيها مطلقا ، بل هي عنوان لموضوعات متعدّدة لأحكام متعدّدة ، والمقتضي للاحتياط في كلّ موضوع هو
____________________________________
عسرا عليه ، إلّا تفويتا للواقع عليه من دون تداركه بالتسهيل لوجود التسهيل في حقّه ، ولا يجوز أن يكون ارتفاع الأحكام عن الجميع لأجل التسهيل على البعض ؛ لأنّ ذلك موجب لإبطال التكليف رأسا ، إذ لو جاز ارتفاع الأحكام الحرجيّة عن الجميع لأجل السهولة لجاز ارتفاع جميع الأحكام عن الجميع لأجل السهولة ، لأنّ حكم الأمثال في ما يجوز وفي ما لا يجوز واحد ، والتالي باطل لكونه موجبا لإبطال التكليف رأسا ، فالمقدّم مثله.
قوله : (وأمّا ما ورد من دوران الأحكام مدار السهولة على الأغلب ، فلا ينفع في ما نحن فيه ... إلى آخره).
دفع لما يتوهّم من أنّ المستفاد ممّا دلّ على دوران الأحكام مدار السهولة على الأغلب هو نفي الحرج الغالبي ، فلا إشكال فيما تقدّم في تقريب الاستدلال من أنّه إذا كان الحكم حرجيّا على غالب المكلّفين ، فهو مرتفع عن جميعهم ؛ وذلك مثل الصوم في السفر ، فإنّه مستلزم للعسر ، إلّا أنّ العسر فيه غالبي ، وقد ارتفع وجوب الصوم عن جميع المكلّفين ، نظرا إلى كونه حرجيّا لأكثر المكلّفين ، وكذا ارتفع وجوب الاجتناب عن الحديد مع دلالة بعض الأخبار على نجاسته ، لأنّ في الاجتناب عنه حرجا غالبيّا.
وبالجملة ، كلّ ما تعلّق به التكليف شرعا ، وكان امتثاله حرجيّا يرتفع ، غاية الأمر إن كان امتثاله حرجا غالبيّا يرتفع عن جميع المكلّفين ، وإن كان حرجا شخصيّا يرتفع عمّن عليه الحرج.
وحاصل الدفع أنّ ما دلّ على دوران الأحكام مدار السهولة على الأغلب إنّما يتمّ فيما إذا كان عنوان الشبهة غير المحصورة موضوعا لحكم من الأحكام ، كقول الشارع : اجتنب عن غير المحصور مثلا ، إلّا أنّه ليس موضوعا وواقعة حكم فيها بحكم حتى يقال : إنّ الحكم بوجوب الاجتناب عن هذه الواقعة في أغلب مواردها عسر لأغلب المكلّفين ، فيرتفع حكم الاحتياط فيها عن جميع المكلّفين.
(بل هي عنوان لموضوعات متعدّدة لأحكام متعدّدة).