التبعيض بين مورد الأمارة على الإباحة ومورد لا يوجد إلّا أصالة الإباحة. فيحمل ما ورد من الاجتناب عن الشبهات والوقوف عند الشبهات على الثاني دون الأوّل ، لعدم صدق الشبهة بعد الأمارة الشرعيّة على الإباحة ، فإنّ الأمارات في الموضوعات بمنزلة الأدلّة في الأحكام مزيلة للشبهة ، خصوصا إذا كان المراد من الشبهة ما يتحيّر في حكمه ، ولا بيان من الشارع لا عموما ولا خصوصا بالنسبة إليه ، دون مطلق ما فيه الاحتمال. وهذا بخلاف أصالة الإباحة ، فإنّها حكم في مورد الشبهة لا مزيلة لها ، هذا ولكن أدلّة الاحتياط لا تنحصر في ما ذكر فيه لفظ الشبهة ، بل العقل مستقلّ بحسن الاحتياط مطلقا. فالأولى الحكم برجحان الاحتياط في كلّ موضع لا يلزم منه الحرام ، وما ذكر من أن تحديد الاستحباب بصورة لزوم الاختلال عسر ، فهو إنّما يقدح في وجوب الاحتياط لا في حسنه.
____________________________________
على العباد ، ونفي وجوب الاحتياط لا حرمته ، وهذا لا ينافي استحباب الاحتياط.
ثم أشار المصنّف قدسسره إلى الوجه الرابع وهو التبعيض في الاحتياط بحسب الموارد ـ أيضا ـ بقوله :
(ويحتمل التبعيض بين مورد الأمارة على الإباحة ومورد لا يوجد إلّا أصالة الإباحة).
فيحتاط في موارد أصالة الإباحة ، ولا يحتاط في موارد وجود الأمارة على الإباحة ؛ وذلك لعدم شمول ما دلّ على وجوب الاحتياط لموارد الأمارة الشرعيّة على الإباحة ، إذ لا تصدق الشبهة بعد قيام الأمارة الشرعيّة على الإباحة وما دلّ على وجوب الاحتياط عند الشبهات لا يشمل موارد الأمارات ، لعدم صدق الشبهة عليها بخلاف موارد أصالة الإباحة ، فإنّ أصالة الإباحة حكم في مورد الشبهة ، فيشمل ما دل على وجوب الاحتياط عند الشبهات موارد أصالة الإباحة ، ولذلك يحتاط فيها.
(فالأولى الحكم برجحان الاحتياط في كلّ موضع لا يلزم منه الحرج) أو (الحرام) ، نسخة.
أي : الأولى من هذه الوجوه الأربعة هو الوجه الأوّل ، وهو التبعيض بحسب المورد بأن يحكم برجحان الاحتياط في كل موضع لا يلزم منه الحرج ، ولا يرد عليه ما تقدّم من أنّ تحديد الاستحباب بصورة لزوم اختلال النظام والعسر ؛ لأنّ دليل الحرج ينفي التكليف الإلزامي ، ولا ينفي الحكم الندبي ، كما أشار إليه المصنّف قدسسره بقوله :
(فهو إنّما يقدح في وجوب الاحتياط لا في حسنه).