وممّا ذكرنا يظهر عدم جواز التمسّك في المقام بأدلّة البراءة ، مثل رواية الحجب (١) والتوسعة (٢) ونحوهما ، لأنّ العمل بها في كلّ من الموردين بخصوصه يوجب طرحها بالنسبة إلى أحدهما المعيّن عند الله تعالى ، المعلوم وجوبه ، فإنّ وجوب واحدة من الظهر والجمعة أو من القصر والإتمام ممّا لم يحجب الله علمه عنّا ، فليس موضوعا عنّا ولسنا في سعة منه ،
____________________________________
(وممّا ذكرنا يظهر عدم جواز التمسّك في المقام بأدلّة البراءة ، مثل رواية الحجب والتوسعة ونحوهما).
فلا بدّ أوّلا من تقريب هذا الوجه الثاني على عدم وجوب الاحتياط ومن ثمّ بيان الجواب عنه.
أمّا تقريب الاستدلال ، فيمكن أن يقال : إنّ كلّ واحد من المحتملين ممّا لم يعلم وجوبه ، فتشملهما أدلّة البراءة.
حاصل جوابه ظهر من الجواب المتقدّم عن الوجه الأوّل ، حيث ثبت من كون العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الاحتياط عدم جواز التمسّك فيه بأدلّة البراءة ، وذلك لأنّها لا تشمل موارد العلم الإجمالي وإلّا لزم التناقض ، وذلك لأنّ أدلّة البراءة مغيّاة بالعلم الأعمّ من العلم الإجمالي والتفصيلي ، باعتبار أخذ الجهل في الحكم الواقعي في موضوعها ، فتجري البراءة ما لم يعلم الحكم الواقعي ، فهناك جهتان : جهة علم ، وجهة جهل.
أمّا الاولى : فلأجل العلم الإجمالي بأصل التكليف.
وأمّا الثانية : فلأجل الجهل في متعلّقه.
فالمقام من الجهة الاولى مندرج تحت مفهوم أدلّة البراءة ، ومن الجهة الثانية مندرج تحت منطوق أدلّة البراءة ، فيلزم التناقض للبراءة نظرا إلى المنطوق ، وعدمها نظرا إلى المفهوم ، فلا بدّ ـ حينئذ ـ من حملها على موارد الشكّ البدوي لئلّا يلزم التناقض ، فلا يكون المرجع في المقام إلّا وجوب الاحتياط وهو المطلوب ، كما أشار إليه قدسسره بقوله :
(فإنّ وجوب واحدة من الظهر والجمعة أو من القصر والإتمام ممّا لم يحجب الله علمه عنّا) لعلمنا بأصل الوجوب ، (ولسنا في سعة منه) أي : من التكليف المعلوم ، إلّا أنّ متعلّقه
__________________
(١) الكافي ١ : ١٦٤ / ٣. التوحيد : ٤١٣ / ٩. الوسائل ٢٧ : ١٦٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٣٣.
(٢) الكافي ١ : ٦٦ / ٧. الوسائل ٢٧ : ١٠٨ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٦.