وبتقرير آخر : المشهور بين العدليّة أنّ الواجبات الشرعيّة إنّما وجبت لكونها ألطافا في الواجبات العقليّة ، فاللّطف إمّا هو المأمور به حقيقة أو غرض للآمر ، فيجب تحصيل العلم بحصول اللّطف ، ولا يحصل إلّا بإتيان كلّ ما شكّ في مدخليّته.
قلت : أوّلا : مسألة البراءة والاحتياط غير مبنيّة على كون كلّ واجب فيه مصلحة وهو
____________________________________
عند العدليّة ، والمصلحة فيها لا تخلو عن أحد احتمالين ؛ لأنّها تكون إمّا من قبيل العنوان أو من قبيل الغرض ، وعلى كلا الاحتمالين يجب الاحتياط إذا شكّ في أنّ محصّل العنوان أو الغرض هل هو الأقلّ أو الأكثر؟ فيأتي بالأكثر لكي يحصل العلم بحصول العنوان أو الغرض.
(وبتقرير آخر : المشهور بين العدليّة أنّ الواجبات الشرعيّة إنّما وجبت لكونها ألطافا في الواجبات العقليّة) ، أي : الواجبات الشرعيّة إنّما وجبت لكونها مقرّبة للعبد إلى الواجبات العقليّة التي استقلّ بها العقل مع قطع النظر عن أمر الشارع ، كردّ الوديعة ، ومنها حكم العقل بإطاعة المولى الحقيقي ، فمعنى كون الواجب الشرعي مقرّبا إلى الواجب العقلي هو أنّ امتثاله موجب لامتثال الواجب العقلي ، إذ بامتثال الأمر الشرعي تتحقّق الإطاعة التي هي واجب عقلي ، فيكون العبد مع امتثال الأمر الشرعي أقرب إلى الإطاعة.
أو معنى كون الواجبات الشرعيّة (ألطافا في الواجبات العقليّة) كما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّها منطبقة في الواجبات العقليّة ، حيث إنّ العقل يحكم بوجوب تحصيل المصلحة الملزمة فيحكم إجمالا بوجوب كلّ فعل فيه مصلحة ملزمة ، إلّا أنّ صغريات هذه الكبرى بعضها معلومة تفصيلا في نظرنا كردّ الوديعة وبعضها مجهولة كالصلاة ، فإذا أوجبها الشارع بملاحظة المصلحة فيها ينطبق ذلك على الواجب العقلي ، ويعلم تفصيلا أنّها ممّا قد حكم العقل بوجوبها ، وهذا معنى ما قيل في قاعدة التلازم : بأنّه كلّ ما حكم به الشرع حكم به العقل.
وكيف كان (فاللّطف إمّا هو المأمور به حقيقة أو غرض للآمر ، فيجب تحصيل العلم بحصول اللّطف) سواء كان اللّطف بمعنى المقرّب إلى الطاعة أو بمعنى الواجب الشرعي المطابق للواجب العقلي.
(قلت : أولا : مسألة البراءة والاحتياط غير مبنيّة على كون كلّ واجب فيه مصلحة وهو