فإن قلت : إنّ ما ذكر في وجوب الاحتياط في المتباينين بعينه موجود هنا ، وهو
____________________________________
فإنّ من امتثل الواجبات السمعيّة كان أقرب إلى امتثال الواجبات العقليّة ، وإليه يشير قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(١).
وثانيها : إنّ الواجبات السمعيّة بأنفسها ألطاف ومؤكدات في الواجبات العقليّة بأنفسها ؛ لأنّ أسباب ثبوت الحكم إذا تعدّدت توجب تأكّد اليقين بثبوته.
وثالثها : ما يستفاد من استدلال منكري الملازمة على مقالتهم ، حيث ذكروا أنّ أصحابنا والمعتزلة قالوا بأنّ التكليف فيما يستقل به العقل بمعنى الخطاب به في ظاهر الشريعة لطف ، وأنّ العقاب بدون اللّطف قبيح.
ورابعها : أن يكون قولهم هذا إشارة إلى ما هو المذكور في طرف العكس من القضية المعنويّة في باب الملازمة ، أعني : إنّ كلّ ما حكم به الشرع فقد حكم به العقل ، بأن يقال : إنّ المراد بقولهم في العقليّات هو الأحكام العقليّة الصادرة من العقل بحسب الإجمال ، فإنّ الصلاة مثلا مشتملة على مصلحة افرض كونها عبارة عن أنّ الإتيان بها وامتثالها يوجب بناء القصور وخلقة الحور ، وغرس الأشجار وتربية الثمار ، فإذا حكم الشارع بوجوبها فيوجب حكمه هذا امتثالها ، وامتثالها هذا لطف ومصلحة يوجب حكم العقل بحسنها على تقدير اطّلاعها على تلك المصلحة.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ المناسب منها في عبارة المصنّف قدسسره ـ حيث جمع بين هذه القاعدة وقاعدة كون الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد ، بانضمام أنّ مقصده إنّما هو إثبات أنّ المأمور به ذو مصلحة هي ؛ إمّا من قبيل العنوان في المأمور به أو من قبيل الغرض ـ هو الوجه الأخير دون السابقة عليه ووجهه يظهر بأدنى تأمّل. انتهى.
(فإن قلت : إنّ ما ذكر في وجوب الاحتياط في المتباينين بعينه موجود هنا) ؛ وذلك لرجوع الأقلّ والأكثر الارتباطيّين إلى المتباينين عند التحقيق ؛ وذلك لأنّ اعتبار الأقلّ بشرط(لا) يباين الأكثر الذي يندرج فيه الأقلّ ، فلا يبقى بينهما جامع متيقّن يؤخذ به وينفي وجوب الزائد بالأصل.
__________________
(١) العنكبوت : ٤٥.