وبالجملة فالعلم الإجمالي في ما نحن فيه غير مؤثّر في وجوب الاحتياط ، لكون أحد طرفيه معلوم الإلزام تفصيلا ، والآخر مشكوك الإلزام رأسا.
ودوران الإلزام في الأقلّ بين كونه مقدّميّا أو نفسيّا لا يقدح في كونه معلوما بالتفصيل ، لما ذكرنا من أنّ العقل يحكم بوجوب القيام بما علم إجمالا أو تفصيلا إلزام المولى به على أيّ وجه كان ، ويحكم بقبح المؤاخذة على ما شكّ في إلزامه.
والمعلوم إلزامه تفصيلا هو الأقلّ ، والمشكوك إلزامه رأسا هو الزائد ، والمعلوم إلزامه إجمالا هو الواجب النفسي المردّد بين الأقلّ والأكثر.
____________________________________
بقي الكلام في المحذور الثاني ، وهو معذورية الجاهل المقصّر على تقدير كون الجهل مانعا عن تنجّز التكليف ، فلا بدّ أوّلا من بيان لزوم هذا المحذور في المتباينين لكي نرى بأنّه هل يجري في المقام أم لا؟
فنقول : إنّ الشكّ في المتباينين لا ينحلّ إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي ، بل كان طرفا الشبهة متساويين من حيث تحقّق احتمال المعلوم بالإجمال وانطباقه على كلّ واحد منهما ، فيكون نظير الشكّ الحاصل للجاهل المقصّر العالم إجمالا بوجود واجبات ومحرّمات في الشرع فينجّزه عليه ، فحينئذ تكون معذوريّة الجاهل في المتباينين مستلزمة لمعذوريّة الجاهل المقصّر بالنسبة إلى الواقع ؛ لأنّ حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد ، مع أنّ معذوريّة الجاهل المقصّر بالنسبة إلى الواقع مخالف للمشهور أو الإجماع على ما عرفت.
وهذا بخلاف المقام حيث ينحلّ الشكّ إلى علم تفصيلي بالنسبة إلى الأقلّ وشكّ بدويّ بالنسبة إلى الأكثر ، فلا يكون الجاهل مثل الجاهل المقصّر ، فمعذوريّة الجاهل في المقام بالنسبة إلى المشكوك لا يلازم الحكم بمعذوريّة المقصّر ، للفرق بينهما ، فلا يلزم من كون الجهل مانعا عن تنجّز التكليف في المقام المحذور الثاني ، وهو معذوريّة الجاهل المقصّر بالنسبة إلى الواقع.
وبالجملة ، فإنّ الشكّ في المتباينين لمّا كان في المكلّف به ولم ينحلّ إلى العلم التفصيلي والشكّ البدوي كان نظير الشكّ الحاصل للجاهل المقصّر ، فيمكن الحكم بمعذوريّة الجاهل في المتباينين مطلقا ، لكن لا يكون المقام نظير ذلك حتى يحكم بوحدة