ترك الأكثر لو كان واجبا في الواقع ، فلا يقتضي العقل وجوبه من باب الاحتياط الراجع إلى وجوب دفع العقاب المحتمل.
وقد توهّم بعض المعاصرين عكس ذلك ، وحكومة أدلّة الاحتياط على هذه الأخبار ، فقال : «لا نسلّم حجب العلم في المقام لوجود الدليل في المقام ، وهي أصالة الاشتغال في الأجزاء والشرائط المشكوكة.
____________________________________
يكون حاكما بوجوب الاحتياط ـ تكون هذه الأخبار كافية في إثبات البراءة متقدّمة على ذلك الدليل العقلي بالورود ؛ لأنّ موضوع حكم العقل بلزوم الإتيان بالأكثر من باب الاحتياط هو احتمال الضرر في تركه ، وبعد إخبار الشارع بنفي العقاب على ترك الأكثر ـ حتى لو كان واجبا في الواقع ـ ينتفي معه احتمال العقاب على ترك الأكثر ، فكيف يحكم العقل بوجوب الاحتياط من باب وجوب دفع الضرر المحتمل؟!.
وبذلك يظهر أنّ تعبير المصنّف قدسسره بحكومة الأخبار على الدليل العقلي لا يخلو من مسامحة ؛ وذلك لأنّ الحكومة بمعنى كون الدليل الحاكم مفسّرا وشارحا للدليل المحكوم تعبّدا لا تتصوّر بالنسبة إلى الأحكام العقليّة ؛ لأنّ الحكومة بالمعنى المذكور ترجع إلى كون الدليل الحاكم مخصّصا ، ومن المعلوم بالضرورة والوجدان أنّ الأحكام العقليّة غير قابلة للتخصيص.
(وقد توهّم بعض المعاصرين عكس ذلك ، وحكومة أدلّة الاحتياط على هذه الأخبار) ، والمتوهّم هو صاحب الفصول قدسسره حيث قال بحكومة أدلّة الاحتياط على هذه الأخبار التي استدلّ بها على البراءة في المقام.
وتقريب هذا التوهّم يتوقف على ذكر مقدّمة ، وهي : إنّ موضوع الحكم بالبراءة في هذه الأخبار كقوله عليهالسلام : (ما حجب الله تعالى علمه ... إلى آخره) (١) وقوله صلىاللهعليهوآله : (رفع عن امّتي ... إلى آخره) (٢). وهو عدم العلم الأعمّ من العلم الوجداني والتعبّدي ، وليس عدم العلم وجدانا فقط.
وبعبارة واضحة : إنّ موضوع البراءة الشرعيّة هو عدم وجود الطريق على ثبوت الحكم
__________________
(١) التوحيد : ٤١٣ / ٩. الوسائل ٢٧ : ١٦٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٣٣.
(٢) الخصال : ٤١٧ / ٩. التوحيد : ٣٥٣ / ٢٤. الوسائل ١٥ : ٣٦٩ ، أبواب جهاد النفس ، ب ٥٦ ، ح ١.