إثبات تنجّز التكليف ، وأنّه المؤاخذ به والمعاقب على تركه ولو حين الجهل به ، وتردّده بين متباينين أو الأقلّ أو الأكثر. ولا ريب أنّ ذلك الحكم مبناه وجوب دفع العقاب المحتمل على ترك ما يتركه المكلّف.
وحينئذ إذا أخبر الشارع ـ في قوله : (ما حجب الله) (١) وقوله : (رفع عن امّتي) (٢) وغيرهما ، بأنّ الله سبحانه وتعالى لا يعاقب على ترك ما لم يعلم جزئيّته ، فقد ارتفع احتمال العقاب في ترك ذلك المشكوك وحصل الأمن منه ، فلا يجري فيه حكم العقل بوجوب دفع العقاب المحتمل.
نظير ما إذا أخبر الشارع بعدم المؤاخذة على ترك الصلاة إلى جهة خاصّة من الجهات لو فرض كونها القبلة الواقعيّة ، فإنّه يخرج بذلك عن باب المقدّمة ؛ لأنّ المفروض تركها لا يفضي إلى العقاب.
نعم ، لو كان مستند الاحتياط أخبار الاحتياط كان لحكومة تلك الأخبار على أخبار
____________________________________
بعد تنجّز التكليف بالعلم الإجمالي ـ مبنيّ على وجوب دفع العقاب المحتمل ، والمفروض هو عدم احتمال العقاب في المقام أصلا ؛ لأنّ الشارع قد رفع بقوله : (ما حجب الله تعالى ... إلى آخره) ، وقوله : (رفع عن امّتي ... إلى آخره) بعدم العقاب على ترك ما لم يعلم جزئيّته ، فلا يجري ـ حينئذ ـ في المقام حكم العقل بوجوب دفع العقاب المحتمل ؛ وذلك لرفع احتمال العقاب شرعا ، فيكون ما نحن فيه (نظير ما إذا أخبر الشارع بعدم المؤاخذة على ترك الصلاة إلى جهة خاصّة من الجهات لو فرض كونها القبلة الواقعيّة).
فإنّ العقل وإن كان يحكم بوجوب إحراز الواجب الواقعي بالصلاة إلى الجهات الأربع عن اشتباه القبلة ، إلّا أنّ حكمه هذا مبنيّ على وجوب رفع العقاب المحتمل في ترك الصلاة إلى كلّ منها ، فلا يحكم بعد ترخيص الشارع في ترك الصّلاة إلى بعضها لارتفاع احتمال العقاب في الترك بعد الترخيص ، فيكون ما دلّ على ترخيص الشارع واردا على حكم العقل ، كما لا يخفى.
(نعم ، لو كان مستند الاحتياط أخبار الاحتياط كان لحكومة تلك الأخبار على أخبار
__________________
(١) التوحيد : ٤١٣ / ٩. الوسائل ٢٧ : ١٦٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٣٣.
(٢) الخصال : ٤١٧ / ٩. التوحيد : ٣٥٣ / ٢٤. الوسائل ١٥ : ٣٦٩ ، أبواب جهاد النفس ، ب ٥٦ ، ح ١.