ودفعه يظهر ممّا ذكرناه ، من أنّ الصلاة لم تقيّد بمفهوم الصحيحة وهو الجامع لجميع الأجزاء ، وإنّما قيّدت بما علم من الأدلّة الخارجيّة اعتباره ، فالعلم بعدم إرادة الفاسدة يراد به العلم بعدم إرادة هذه المصاديق الفاقدة للامور التي دلّ الدليل على تقييد الصلاة بها ، لا أنّ مفهوم الفاسدة خرج عن المطلق وبقي مفهوم الصحيحة ، فكلّما شكّ في صدق الصحيحة والفاسدة وجب الرجوع إلى الاحتياط لإحراز مفهوم الصحيحة.
____________________________________
إنّ التوهّم المذكور سابقا كان مبنيّا على خلط المفهوم بالمصداق ، بمعنى أنّ لفظ الصلاة مثلا موضوع لمفهوم الصحيح المبيّن ، وكان مصداقه مردّدا بين الأقلّ والأكثر ، فيجب فيه الاحتياط تحصيلا لعنوان المأمور به وهو مفهوم الصحيح ، فيأتي نظير هذا التوهّم في المقام على القول بكون ألفاظ العبادات موضوعة للأعمّ.
فيقال : إنّ المعنى الموضوع له لفظ الصلاة مثلا وإن كان هو الأعمّ إلّا أنّ المأمور به وما تعلّق به الأمر يجب أن يكون مفهوم الصحيح ؛ لأنّ الشارع لا يأمر بالفاسد ؛ وذلك لأنّ الفاسد ما يكون على خلاف المأمور به ، فكيف يتعلّق به الأمر؟
فحينئذ يجب تقييد الصلاة في قول الشارع : (أَقِيمُوا الصَّلاة) دفعة واحدة بقيد عامّ جامع لجميع القيود التي لها دخل في تحقّق المأمور به ، وهو مفهوم الصحيح ، حيث يكون مصداقه مردّدا بين الأقلّ والأكثر ، ويجب فيه الاحتياط كما يجب فيه الاحتياط ـ أيضا ـ على القول بوضع لفظ الصلاة للصحيح ، فيكون لفظ الصلاة مثلا مجملا بالعرض ، كما أنّه يكون مجملا على الصحيحي بالذات ، والمأمور به على كلا القولين هو مفهوم الصحيح ، ومع الشكّ في جزئيّة شيء لا يرجع إلى الإطلاق ؛ وذلك لعدم الإطلاق بعد فرض الإجمال ، فحينئذ يرجع إلى الاحتياط. هذا خلاصة تقريب التوهّم.
وقد أشار قدسسره إلى دفعه بقوله : (ودفعه يظهر مما ذكرناه ، من أنّ الصلاة لم تقيّد بمفهوم الصحيحة) كي يقال بأنّ المفهوم مبيّن فيجب إحرازه مصداقا بالاحتياط ، بل تعلّق الأمر بمصداق الصحيح ، وهو الجامع لكلّ ما علم اعتباره من الأجزاء والشرائط بالأدلّة الخارجيّة ، كالسجدة والركوع ، والسورة ، والتشهّد ، والتسليم وغيرها ، وما لم يدلّ الدليل على اعتباره وشكّ في اعتباره جزء أو شرطا فيرجع فيه إلى أصالة البراءة والإطلاق على القول بكون ألفاظ العبادات موضوعة للأعمّ.