وفي جريان أصالة عدم الوجوب تفصيل ، لأنّه إن كان الشكّ في وجوبه في ضمن كلّي مشترك بينه وبين غيره أو وجوب ذلك الغير بالخصوص ، فيشكل جريان أصالة عدم
____________________________________
أي : لظهور أدلّة البراءة في عدم تعيين المجهول المستلزم للضيق على المكلّف ، إذ لازم جريان البراءة في الوجوب التخييري هو نفي الوجوب التخييري ، فيتعيّن التكليف في ما علم وجوبه ، فيكون الوجوب تعيينيّا ، ولازمه إثبات الضيق على المكلّف ، والحال أنّه لا ضيق في التخيير ، فجريان البراءة في الوجوب التخييري مستلزم لجعل المكلّف في ضيق ، وهو ينافي ما تقدّم من أنّ مقتضى أدلّة البراءة هو جعل المكلّف في سعة ، كقوله عليهالسلام : (الناس في سعة ما لم يعلموا) (١) هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل.
وأمّا الأمر الثاني فقد أشار إليه المصنّف قدسسره بقوله :
(وفي جريان أصالة عدم الوجوب تفصيل).
أي : في استصحاب عدم الوجوب تفصيل بين التخيير العقلي فلا يجري فيه الاستصحاب ، وبين التخيير الشرعي فيجري فيه.
وقبل ذلك لا بدّ أوّلا من بيان الفرق بين التخيير العقلي والشرعي ، ثمّ بيان وجه جريان الاستصحاب في الثاني دون الأوّل.
وأمّا الفرق بينهما : فإنّ التخيير العقلي دائما يجري بين أفراد الكلّي الذي تعلّق به الحكم شرعا ، بينما التخيير الشرعي يجري فيما إذا أمر الشارع بأحد الأمرين أو الامور تخييرا.
ومثال الأوّل : ما إذا ورد من الشارع قوله : إن أفطرت صوم رمضان متعمّدا فكفّر ، أو من أفطر صوم رمضان فعليه الكفّارة ، فهنا يحكم العقل بالتخيير بين أفراد الكفّارة وهي : الصيام والإطعام والعتق.
ومثال الثاني : ما إذا ورد من الشارع قوله : من أفطر صوم رمضان متعمّدا ، فعليه صيام شهرين متتاليين ، أو إطعام ستين مسكينا ، أو عتق رقبة.
وأمّا بيان عدم جريان استصحاب عدم الوجوب في التخيير العقلي ، فلأجل مانعيّة العلم الإجمالي ، وذلك فيما إذا علم المكلّف بوجوب الإطعام في إفطار صوم رمضان
__________________
(١) الرسائل التسع : ١٣٢. غوالي اللآلئ ١ : ٤٢٤ / ١٠٩.