____________________________________
التخييري من أنّ مقتضى أدلّتها هو رفع الضيق عن المكلّف امتنانا ، فكما أنّ جريانها في الوجوب التخييري مستلزم للضيق ، كذلك في المقام ، لأنّ نفي الوجوب الكفائي بالبراءة مستلزم لثبوت الوجوب العيني ، وهو ضيق على المكلّف فلا تجري فيه.
ويمكن فرض الشبهة في المثال المذكور موضوعيّة ، وذلك كما إذا لا يعلم المصلّي أنّه سلّم على الجميع حتى يجب عليه ردّ السلام ، أو على الجالسين دون المصلّين فلا يجب عليه الرد.
فيحتمل العقاب فيما إذا علم عدم ردّ الآخرين لعذر أو لغير عذر وحينئذ يجوز له التمسّك بالبراءة.
وأمّا في جريان استصحاب عدم الوجوب ، فتفصيل بين ما إذا شكّ في تعلّق الوجوب بالكلّي ، وهو من سلّم عليه ، أو تعلّقه بخصوص الجالسين دون المصلّي ، فلا يجري ـ حينئذ ـ استصحاب عدم الوجوب للعلم الإجمالي المانع عنه ، وبين ما إذا علم تعلّقه بالجالسين ، وشكّ في تعلّقه بالمصلّي ، فتجري أصالة عدم الوجوب ؛ لأنّ الشكّ فيه يكون شكّا في وجوب زائد ولازمه عدم جواز ردّ السلام على المصلّي ، كما لا يخفى.
ومن هنا يظهر حكم القسم الثالث ، وهو فيما إذا كان يعلم وجوب فعل على الآخر ، إلّا إنّه يشكّ في أنّ وجوبه عيني عليه أو كفائي ، فيجوز له التمسّك بالبراءة ، ونفي الوجوب عن نفسه ، لأنّ الشكّ في الوجوب بالنسبة إليه شكّ في أصل الوجوب ، وهذا القسم الثالث ربّما يكون فرضا محضا.
ويمكن فرض القسم الرابع بعكس القسم الثالث ، وهو فيما إذا كان المكلّف يعلم بوجوب فعل عليه ، إلّا إنّه يشكّ في أنّه واجب عيني فلا يسقط بفعل الآخر ، أو واجب كفائي فيسقط به ، ويرجع إلى استصحاب اشتغال الذمّة بعد فعل الآخر.
والحاصل من الجميع هو جواز التمسّك بالبراءة في بعض صور الشكّ في الوجوب الكفائي ، ومنه يظهر أن حكم الوجوب الكفائي في التمسّك بالبراءة ليس كحكم الوجوب التخييري في عدم جواز التمسّك بها ، ولهذا قال المصنّف قدسسره :
(فافهم) للإشارة إلى أنّ المصنّف أراد خلاف الظاهر من قوله : يظهر ممّا ذكرنا ، وذلك لعدم الكلّية في هذا الظهور وذلك لظهور حكم بعض صور الشكّ في الوجوب الكفائي ممّا ذكره في الوجوب التخييري لا جميعها ، كما عرفت.