وفيه ما لا يخفى ، فإنّ القائل بالبراءة الأصليّة إن رجع إليها من باب حكم العقل بقبح العقاب من دون البيان فلا يرجع ذلك إلى دعوى كون حكم الله هو الاستحباب ، فضلا عن تعليل ذلك بالبراءة الأصليّة ، وإن رجع إليها بدعوى حصول الظنّ ، فحديث تبعيّة الأحكام للمصالح وعدم تبعيّتها ـ كما عليه الأشاعرة ـ أجنبيّ عن ذلك ، إذ الواجب عليه إقامة الدليل على اعتبار هذا الظنّ المتعلّق بحكم الله الواقعي الصادر عن المصلحة أو لا عنها ، على الخلاف.
____________________________________
من كون الأحكام تابعة للمصالح (رجم بالغيب وجرأة بلا ريب) لا يصدر عن فاضل ، فضلا عن فقيه عادل ، لأنّ المصلحة لا تقتضي الاستحباب دائما ، بل قد تقتضي غيره.
(انتهى) كلام صاحب الحدائق.
(وفيه ما لا يخفى ... إلى آخره).
أي : وفي كلام صاحب الحدائق من الإشكال ما لا يخفى ، ولتوضيح الإشكال نقدّم مقدمة وهي :
إنّ الرجوع إلى البراءة لمن يرجع إليها لا يخلو عن أحد احتمالين :
أحدهما : إنّه يرجع إليها من باب تعبّد الشارع المستفاد من الآيات والروايات بنفي تنجّز التكليف المجهول على الجاهل ، وحكم العقل بقبح العقاب من دون البيان.
وثانيهما : إنّه يرجع إليها من باب حصول الظنّ من البراءة الأصليّة بالجواز الواقعي المستلزم للظنّ بالاستحباب ، ومن هذا يتّضح لك ما يرد على كلام صاحب الحدائق ، وذلك لأنّه إن كان مراده الاحتمال الأوّل ، فلا يرجع ذلك إلى دعوى كون حكم الله الواقعي هو الاستحباب ، لأنّ المقصود ـ حينئذ ـ هو نفي تنجّز التكليف ونفي العقاب ، لا إثبات الجواز الواقعي حتى يجعل مرجّحا للاستحباب ، فلا يصحّ تعليل الحكم بالاستحباب بكونه موافقا للبراءة الأصليّة ، كما لا يخفى.
وإن كان مراده الاحتمال الثاني ، لكان حديث تبعيّة الأحكام للمصالح ، وعدم تبعيّتها ـ كما عليه الأشاعرة ـ أجنبيّا عن ذلك ، لأنّ عدم التبعيّة لا يمنع من حصول الظنّ من البراءة الأصليّة ، والتبعيّة لا توجب حصول الظنّ منها على الجواز الواقعي المرجّح للاستحباب ، فلا ربط للتبعيّة وعدمها إذا في حصول الظنّ على الجواز من البراءة الأصليّة ، بل لا بدّ ـ