الثالث : إنّ مسألة الاستصحاب ـ على القول بكونه من الأحكام العقليّة ـ مسألة اصوليّة يبحث فيها عن كون الشيء دليلا على الحكم الشرعي ، نظير حجيّة القياس والاستقراء.
____________________________________
حكم العقل والشرع.
والمراد من الدليل العقلي غير المستقلّ ما لا تكون كلتا مقدّمتيه عقليّة ، بل تكون إحداهما شرعيّة والاخرى عقليّة ، كباب الاستلزامات ، مثل استلزام وجوب شيء شرعا وجوب مقدّمته عقلا ، واستلزام وجوب شيء كذلك حرمة ضدّه عقلا ، واستلزام التعليق شرعا الانتفاء عند الانتفاء عقلا ، ومثال الأوّل كقولك : الصلاة واجبة ، وكلّ واجب تجب مقدّمته ، حيث تكون الصلاة واجبة مقدّمة شرعيّة ، وكلّ واجب تجب مقدّمته عقليّة.
ونفس هذا المثال يصلح مثالا للثاني بتبديل قولك : كلّ واجب تجب مقدّمته ، بقولك : كلّ واجب يحرم ضدّه ، فتكون المقدّمة الثانية فيه ـ أيضا ـ عقليّة ، ومثال المفهوم قوله عليهالسلام : (الماء إذا بلغ قدر كرّ لم ينجّسه شيء) (١) ثمّ يحكم العقل بالانتفاء عند الانتفاء ، أي : الماء إذا لم يبلغ قدر كرّ ينفعل وينجّسه شيء.
إذا عرفت هذه المقدّمة يتّضح لك أنّ الدليل العقلي في المقام من العقليّات غير المستقلّة ، وذلك لاحتياجه إلى خطاب شرعي يجعل صغرى للكبرى العقليّة ، بأن يقال : هذا الحكم كان ثابتا شرعا ، وكلّ ما ثبت دام ، فهذا الحكم دام فهو باق. غاية الأمر يجب أن يكون المستصحب حكما شرعيا ، لا موضوعا خارجيا.
(الثالث : إنّ مسألة الاستصحاب ـ على القول بكونه من الأحكام العقليّة ـ مسألة اصوليّة يبحث فيها عن كون الشيء دليلا على الحكم الشرعي).
وقبل الخوض في البحث لا بدّ من بيان ما هو المناط في كون المسألة اصوليّة ، ثمّ تطبيقه على الاستصحاب ؛ تارة : على تقدير كونه من الأحكام العقليّة والأمارات الظنيّة ، واخرى : على تقدير كونه من الاصول العمليّة فنقول :
إنّ المناط والمدار في كون المسألة اصوليّة ، هو أن يكون البحث فيها عن عوارض
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢ / ١. الفقيه ١ : ٨ / ١٢. التهذيب ١ : ٤٠ / ١٠٩. الاستبصار ١ : ٦ / ١. الوسائل ١ : ١٥٨ ، أبواب الماء المطلق ، ب ٩ ، ح ١.