وأمّا بالاعتبار الثاني فمن وجوه أيضا :
أحدها : من حيث إنّ الدليل المثبت للمستصحب ؛ إمّا أن يكون هو الإجماع ، وإمّا أن يكون غيره ، وقد فصّل بين هذين القسمين الغزالي ، فأنكر الاستصحاب في الأوّل. وربّما يظهر من صاحب الحدائق في ما حكي عنه في الدرر النجفيّة : إنّ محلّ النزاع في
____________________________________
ومن هنا يظهر إنّ ما حكاه المحقّق القمّي قدسسره من القولين المتعاكسين لا يخلو عن الصحّة.
ولعلّ هذا هو السر ، لعدم حكم المصنّف قدسسره ببطلان ما حكاه المحقّق القمّي قدسسره على نحو الجزم ، بل قال : إنّه ليس على ما ينبغي.
وعلى أيّ حال ، بقي الكلام في نقل آخر كلام المفصّل الذي فصّل بين الحكم الشرعي ونفس الأسباب والشروط والموانع ، دون السببيّة والشرطيّة والمانعيّة ، وهو كما في شرح الاستاذ الاعتمادي : إنّ المفصّل رحمهالله بعد ما زعم عدم تصوّر شكّ يرجع فيه إلى الاستصحاب في الأحكام التكليفيّة والوضعيّة بمعنى السببيّة ونحوها ، قال : فظهر ممّا ذكرنا أنّ الاستصحاب المختلف فيه لا يكون إلّا في الأحكام الوضعيّة ، أعني : الأسباب والشرائط والموانع ، كما يستصحب في التيمّم الواجد للماء في الأثناء نفس الشرط ، أعني : كون الشخص متطهّرا دون شرطيّة الطهارة ، إذ لا شكّ فيها ، ويستصحب في الكرّ المتغيّر الزائل تغيّره بنفسه نفس المانع ، أعني : كون الماء نجسا لا مانعيّة النجاسة ، فالتوني رحمهالله لم يفصّل في الأحكام بين التكليفيّة والوضعيّة ، بل فصّل بين الحكم وغيره ، إلّا أنّه أفرد هذا التقسيم مع دخوله في التقسيم الثاني لنكتة ، وهي توضيح الفرق بين السبب والسببيّة ، وهكذا.
هذا تمام الكلام في تقسيم الاستصحاب باعتبار المستصحب ، وأمّا تقسيمه باعتبار الثاني وهو الدليل ، فقد أشار إليه المصنّف قدسسره بقوله :
(وأمّا بالاعتبار الثاني فمن وجوه أيضا :
أحدها : من حيث إنّ الدليل المثبت للمستصحب ؛ إمّا أن يكون هو الإجماع) كما إذا فرض الإجماع على تنجّس الكرّ بالتغيّر ، فشكّ في بقائه بعد زوال التغيّر بنفسه.
(وإمّا أن يكون غيره) كالكتاب والسنّة ، (وقد فصّل بين هذين القسمين الغزالي ، فأنكر