وأمّا في الثالثة : فبما قيل : من أنّ جملة «لا يترك» خبريّة لا تفيد إلّا الرجحان.
____________________________________
وأمّا الدفع ، فحاصله : أنّ ما ذكر من أنّ الملازمة بين المقدّمة وذيها موجبة لأن يكون ثبوتها تابعا لثبوت ذيها وسقوطها كذلك وإن كان صحيحا ، إلّا أنّ المراد بعدم السقوط في الرواية هو الأعمّ من عدم السقوط بمعنى البقاء من الحقيقي والمسامحي ، والبقاء المسامحي موجود في مورد تعذّر بعض أجزاء الكلّ ؛ لأنّ أهل العرف يرون بقاء الأجزاء بعد تعسّر الكلّ من دون التفات إلى أنّ الموجود عند التمكّن من الكلّ هي هذه الأجزاء من حيث كونها مقدّمة له ، والثابت بعد تعسّره هي هذه الأجزاء من حيث مطلوبيتها في نفسها ، وحيث كان المقام مقام توهّم سقوط هذه الأجزاء الميسورة بسبب سقوط الكلّ لأجل تعسّره ، فدفع الإمام عليهالسلام هذا التوهّم ببيان عدم الملازمة بينهما ، كما في الأوثق.
قال المرحوم غلام رضا قدسسره في تعليقته على الرسائل في هذا المقام ما هذا نصه : «إنّه إذا تعذّر الإتيان بذي المقدّمة دون المقدّمة ، كما إذا امر بالكون على السطح مثلا وتعذّر المأمور به مع تيسّر مقدّمته كنصب السلّم ، فإنّ الارتباط بينهما بمثابة الارتباط بين الأجزاء بذاتها وبين المركّب ، فإن التزم المستدلّ بكون مثل ذلك مشمولا للحديث ، فقد خالف الإجماع ، وإن التزم بخروجه عنه فيطالب بوجه الفرق بينه ، وبين الأجزاء بالنسبة إلى المركّب ، فإنّها أيضا مقدّمة لتحصيله ، كيف؟ ولا فرق بين نصب السلّم بالنسبة إلى الكون على السطح والأخشاب بذاتها بالنسبة إلى السرير». انتهى.
(وأمّا في الثالثة : فبما قيل : من أنّ جملة «لا يترك» خبريّة لا تفيد إلّا الرجحان) والقائل هو النراقي قدسسره كما في بعض الشروح ، فلا بدّ من بيان الاستدلال بهذه الرواية على ما نحن فيه كي يتّضح ما يرد عليه من الوجوه التي ذكرها المصنّف قدسسره فنقول :
إنّ الاستدلال بها على المقام مبني على أمرين :
أحدهما : حمل الموصول في قوله عليهالسلام : «ما لا يدرك» على المركّب بأن يكون المراد من الموصول هو الكلّ المركّب من الأجزاء ، لا الكلّي المشتمل على الأفراد.
وثانيهما : أن يكون قوله عليهالسلام : «لا يترك» لإنشاء التحريم ، لا للإخبار ، فيكون مفادها حينئذ المركّب الذي لا يدرك كلّه ، بأن يكون بعض أجزائه متعذّرا لا يجوز ترك كلّه ، بل يجب إتيان ما يتمكّن المكلّف منه وهو المطلوب.