وإنّما يحكم بالتخيير بضميمة أنّ تعيين أحدهما ترجيح بلا مرجّح ، فإن استقلّ بعدم المرجّح حكم بالتخيير ، لأنّه نتيجة عدم إمكان الجمع وعدم جواز الطرح وعدم وجود المرجّح لأحدهما. وإن لم يستقلّ بالمقدّمة الثالثة توقف عن التخيير ، فيكون العمل بالراجح معلوم الجواز والعمل بالمرجوح مشكوكه. فإن قلت : أوّلا : إنّ كون الشيء مرجّحا مثل كون الشيء دليلا ، يحتاج إلى دليل ، لأنّ التعبّد بخصوص الراجح إذا لم يعلم من الشارع كان الأصل
____________________________________
اعتبار المزيّة المستلزم للتخيير ، فإطلاقها لا ينفع من هذه الجهة.
والعقل إنّما يستفيد من ذلك الحكم المعلّق بالإمكان عدم جواز طرح كليهما ، لا التخيير بينهما ، وإنّما يحكم بالتخيير بضميمة أنّ تعيين أحدهما ترجيح بلا مرجّح.
وملخّص الكلام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّ نتيجة وجوب العمل بكلّ خبر إن أمكن هي مجرّد حرمة طرحهما عقلا دون التخيير ، حتى لا يفرّق بين وجود المرجّح وعدمه ، وإنّما التخيير نتيجة وجوب العمل بكلّ خبر إن أمكن بانضمام قبح الترجيح بلا مرجّح. وحكم العقل بالتخيير ، كما يأتي في المتن مبنيّ على مقدّمات ثلاث ، وهو مستقلّ في ثبوت كلّ منها :
إحداها : عدم إمكان الجمع.
وثانيتها : عدم جواز طرح كليهما.
وثالثتها : عدم وجود المرجّح لأحدهما.
وإن لم يستقلّ بالمقدّمة الثالثة ، بأن يحتمل وجود المرجّح أو مرجّحيّة الموجود توقف عن التخيير ، فلا يحكم العقل بشيء ، فحينئذ يؤخذ بمتيقّن الحجيّة وهو ذو المزيّة ويجري في غيره اصالة عدم الحجيّة ، كما أشار إليه بقوله :
فيكون العمل بالراجح معلوم الجواز والعمل بالمرجوح مشكوكه ، أي : الجواز من جهة أصالة عدم الحجيّة بعد احتمال اعتبار المزيّة.
فإن قلت : أولا : إنّ كون الشيء مرجّحا مثل كون الشيء دليلا ، يحتاج إلى دليل.
فالشكّ في حجيّة المرجوح مسبّب عن الشكّ في اعتبار المزيّة ، والأصل عدم اعتبارها ، فاذا جرى الأصل في السبب ارتفع الشكّ عن المسبّب ولو حكما ، ولا يعارضه استصحاب المسبّب ، لأنّه حاكم عليه.