فخالفوهم ، فإنّهم ليسوا من الحنفية على شيء) (١) ، فقد فرّع الأمر بمخالفتهم على مخالفة أحكامهم للواقع ، لا مجرّد حسن المخالفة ، فتعيّن «الوجه الثاني» ؛ لكثرة ما يدلّ عليه من الأخبار أو الوجه الرابع للخبر المذكور وذهاب المشهور.
____________________________________
منهما من جهة لحاظ الواقع ومراعاته لا من باب التعبّد ، هذا مع أنّ الترجيح من باب التعبّد ممّا ينافيه التعليل المذكور من أنّ الرشد والحقّ في خلافهم.
وبعبارة اخرى : إنّ ترجيح الخبر المخالف للعامّة تعبّدا مخدوش بوجهين.
أحدهما : إنّ اعتبار الأخبار لمّا كان من باب الطريقيّة فالمناسب لمقام الترجيح ملاحظة كون المرجّح معاضدا لجهة الطريقيّة وموجبا للأقربيّة إلى الواقع.
ثانيهما : إنّ بعض الأخبار وإن كان ظاهرا في التعبّد حيث رجّح المخالف من دون بيان العلّة ، إلّا أنّ أكثرها علّله بأنّ الرشد في خلافهم ، فيكون هو مفسرا للأوّل كما في شرح الاستاذ.
ومنه يظهر ضعف «الوجه الثالث».
إذ هو مناف أيضا لكون اعتبار الأخبار من باب الطريقيّة ، والتعليل المذكور في أخبار الترجيح بأنّ الحقّ والرشد في خلافهم ، فترجيح أحد الخبرين من باب حسن مخالفتهم تعبّدا ، أي : من دون لحاظ الأقربيّة إلى الحقّ مخدوش بنفس الوجهين المذكورين في الوجه الأوّل.
هذا مضافا إلى صريح رواية أبي بصير حيث فرّع الأمر بمخالفتهم فيها على مخالفة أحكامهم للواقع ، فيكون المناط هو مراعات الواقع لا مجرّد حسن المخالفة تعبّدا.
فتعيّن الوجه الثاني ، أي : تقديم الخبر المخالف لمظنّة مطابقة الواقع ؛ لكثرة ما يدلّ عليه من الأخبار الواردة في المتعارضين وغيرها ، كروايتي علي بن أسباط (٢) وأبي اسحاق (٣) المتقدّمتين.
__________________
(١) الوسائل ٢٧ : ١١٩ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٣٢ ، نقلا عن رسالة الراوندي ، ولم نعثر عليها.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٧٥ / ١٠. الوسائل ٢٧ : ١١٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٣.
(٣) علل الشرائع : ٢٤٩ / ١. الوسائل ٢٧ : ١١٦ ، أبواب صفات القاضي ب ٩ ، ح ٢٤.