وحيث إنّ موردهما الدليلان المتعارضان ، فلا بدّ من تعريف التعارض وبيانه. وهو لغة : من العرض بمعنى : الإظهار ، وغلب في الاصطلاح على تنافي الدليلين وتمانعهما باعتبار مدلولهما.
____________________________________
وتقديم أحد المتعارضين يحصل مع حفظ موضوع الآخر ، فإنّ أخذ دليل حرمة إكرام الفاسق لا يخرجه عن موضوع العالم ، وتقديم أحد المتزاحمين يوجب انتفاء موضوع الآخر إذ يصير غير مقدور ، والترجيح في الأوّل بقوّة السند والدلالة ونحوهما ، وفي الثاني بتضييق أحدهما أو سبق محلّه كاختيار القيام في الركعة الاولى لمن عجز عنه في الركعتين وبأهميّة أحدهما ونحو ذلك كما في شرح الاعتمادي ، وبينهما فروق أخر تركناها رعاية للاختصار. هذا تمام الكلام في بيان الامور قبل الدخول في بحث التعارض ، فيقع الكلام في التعارض.
فلا بدّ من تعريف التعارض لغة واصطلاحا.
وقد أشار إلى الأوّل بقوله : وهو لغة : من العرض بمعنى الإظهار الوصفي لا بمعناه الاسمي ، أعني : العرض في مقابل الطول والعمق ، فيكون التعارض بمعنى المظاهرة والمبارزة ، ثمّ العرض كما جاء بمعنى الإظهار مثل قوله تعالى : (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ)(١) جاء بمعنى الورود أيضا ، كما في قولهم : عرضت الناقة على الحوض ، وعلى التقديرين مناسبته مع المعنى الاصطلاحي ظاهرة ، أمّا على الأوّل ، فلأنّ كلّا من الدليلين يظهر نفسه في قبال الآخر ، وأمّا على الثاني ، فلأنّ كلّا منهما يرد على الآخر فيحصل التوارد ، كما في التعليقة.
وقد أشار إلى الثاني بقوله : وغلب في الاصطلاح على تنافي الدليلين وتمانعهما باعتبار مدلولهما.
أي : نقل بغلبة الاستعمال في الاصطلاح بالمعنى المذكور ، فيكون الظاهر من كلامه هو كون التعارض موضوعا للمعنى الاصطلاحي بالوضع التعيّني الناشئ من كثرة الاستعمال وغلبته ، ثمّ تقييد التنافي باعتبار المدلول من جهة أنّ التنافي لا يعقل في صدور الدليلين ولا
__________________
(١) الكهف : ١٠٠.