وأمّا الدعوى الثانية وهي انّه بعد ما تبيَّن انّ العدل حسن ، والظلم قبيح ، فالله سبحانه موصوف بالعدل ومنزّه عن الظلم ، وذلك ، مضافاً إلى أنَّه سبحانه حكيم ، والحكيم يعدل ولا يجور ـ أنّ الجور رهن أحد أمرين ، إمّا الجهل بقبح العمل ، أو الحاجة إليه ، والمفروض انتفاء كلا المبدأين عنه سبحانه.
وربما يقال إنّ كون الشيء حسناً أو قبيحاً عند الإنسان لا يلازم كونه كذلك عند الله ، فكيف يمكن استكشاف انّه سبحانه لا يفعل القبيح ؟
والجواب عنه واضح لأنّ المدرَك للعقل هو حسن الفعل على وجه الإطلاق ، أو قبحه كذلك ، من دون أن تكون للفاعل مدخلية فيه سوى كونه فاعلاً مختاراً ، وأمّا كونه واجباً أو ممكناً فليس بمؤثرٍ في قضاء العقل. وعلى ذلك فإذا ثبت كون الشيء جميلاً أو قبيحاً فهو عند الجميع كذلك.
يظهر من الآية الأُولى انّ عدله يعمُّ جميع شؤونه ، حيث يقول : ( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ) ١ فقوله : « قائماً » حال من لفظ الجلالة ، في قوله : شهد الله ، أو الضمير المنفصل ، أعني : إلاّ هو.
والمتبادر منه أنّه سبحانه يجري العدل في عامة شؤونه في خلقه وتشريعه فهو عادل ذاتاً وفعلاً.
وتشهد على ذلك مضافاً إلى شهادته سبحانه به ، شهادة الملائكة وأُولي العلم ، فكأنّ الآية تنحل إلى الجمل التالية :
__________________
١. آل عمران : ١٨.