نقلوا عن أبي عبد الله ، فإنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات ، على اختلافهم في الآراء والمقالات ، فكانوا أربعة آلاف رجل » ١ وهم بين فقيه بارع ، يفتي الناس في مسجد المدينة ، كأبان بن تغلب ٢ ومفسّر متضلّع ، ومحدّث واعٍ ، إلى غير ذلك ، حفظ التاريخ والرجال أسماءهم وللإمام خطوات واسعة في التفسير ، وآثار خالدة جمعها بعده تلامذته ، وسنشير إليها عند البحث عن مفسري الشيعة في القرون الإسلامية. وإليك نزراً يسيراً من تفسيره ، حتى يكون نموذجاً من الينبوع المتفجّر ، ونمير علمه الصافي :
١. لقد كانت الزنادقة في عصر الصادق عليهالسلام بصدد التشكيك في العقائد ، وبذر الشُّبه في الأوساط. وممّا كان تلوكه أشداقهم هو ما سأله ابن أبي العوجاء ، هشام بن الحكم فقال له : فأخبرني عن قول الله عزّوجلّ : ( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) ٣ أليس هذا فرض ؟ قال هشام : بلى. وقال : فأخبرني عن قوله عزّ وجلّ : ( وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالمُعَلَّقَةِ ) ٤ فقال ابن أبي العوجاء أيّ حكيم يتكلّم بهذا ؟
فرحل هشام إلى المدينة ، وقصد دار الإمام الصادق عليهالسلام ، فقال : « يا هشام في غير وقت حجّ ولا عمرة ؟ » قال : نعم ـ جعلت فداك ـ لأمر أهمّني. إنّ ابن أبي العوجاء سألني عن مسألة ، لم يكن عندي فيها شيء قال : وما هي ؟ قال : فأخبره بالقصّة ، فقال الإمام : « فأمّا الآية الأُولى فهي في النفقة ، وأمّا الآية الثانية فإنّما
__________________
١. إرشاد المفيد : ٢٨٩ ، طبع إيران.
٢. لاحظ الفهرست لابن النديم : ٣٢٢ ، ط مصر مطبعة الاستقامة ؛ رجال النجاشي : ١ / ٧٣ برقم ٦ ، ط بيروت ، وكلّما ننقله فهو من هذه الطبعة.
٣. النساء : ٣. |
٤. النساء : ١٢٩. |