أمّا الدلالة الأخيرة فهي الدلالة الوضعية(١) : فهي العلاقة الناشئة بين الدالّ والمدلول بسبب التواضع والاصطلاح(٢) ، وهي بدورها تنقسم إلى لفظية وغير لفظية. أمّا الأخيرة ـ الوضعية غير اللفظية ـ كإشارات الأخرس(٣) ، أمّا الدلالة الوضعية اللفظية وهي إذا كان الدالّ الموضوع لفظاً ، ولذلك عرّفها بعضهم بقوله : «فهم المعنى من اللفظ عند إطلاقه بالنسبة إلى مَن هو عالمٌ بالوضع»(٤).
وهذه الدلالة ، أعني الدلالة الوضعية اللفظية ، هي محلّ نظر المنطقي والأصولي ؛ «لعمومها وانضباطها وسهولة تناولها بخلاف الطبيعية(٥) فإنّها مخصوصة ببعض الأمور مع عدم الوثوق بانضباطها لإمكان اختلاف الطبائع وتناولها يتوقّف على البحث عن مقتضى الطبع ، وقد يصعب ذلك ، وكذا العقلية فإنّها تختصّ بما بينهما لزومٌ عقلي ، والعقول تتناقض ولا تنضبط أفهامها باعتبار الفاهمين وهي متوقفة على إدراك اللزوم وقد يكون صعب التناول بخلاف اللفظية الوضعية فإنّها تتوقّف على الاطلاع على الوضع وهو سهل فكلّما عرف الوضع انضبط في أفراد الموضوع له»(٦).
__________________
(١) الوضع في الاصطلاح : (اختصاص اللفظ بالمعنى ، وارتباطه به ارتباطاً ناشئاً من وضع المعنى له أو من كثرة الاستعمال). [المقرّر ١/٤٨]
وقد سيقت عدة نظريات في حقيقة الوضع ومنشأه في المطوّلات ، لا سيّما الأصولية ، فلتراجع في مضانها لزيادة الفائدة.
(٢) مذكّرة المنطق للفضلي : ٣٩.
(٣) المقرّر للحيدري ١/٥٠.
(٤) شرح المطالع للرازي ١/١٠٤.
(٥) هكذا ، والحق قياسها على (الطبَعية).
(٦) التجريد الشافي للدسوقي : ٦٣ ـ ٦٤.