عوامل التعامل مع أزمة تاريخية عاشتها الأمّة الإسلامية تكمن في غلبة الفكر الأوربي لكن المنار تمادى في خروقاته لخطّ (الأفغاني ـ عبده) ، رأى رشيد رضا أنّ الكون المنظور أعظم تفسيراً من الكون المقروء ومن هنا فلا بدّ من الاستفادة من العلوم المتنوّعة والثقافات الإنسانية المتعدّدة الحديثة في تفسير القرآن ، بيد أنّه غالى في تلك الرؤية ، لقد كاد رشيد رضا أن يكون أقدر تعبيراً عن منهج (الأفغاني ـ عبده) لو لا حماسه الشديد الذي اتّخذ أحياناً كثيرة صورة التطرّف في النزعة المذهبية حتّى انقلب الكثير من صفحات المنار إلى صفحات في الصراع المذهبي ممّا قد يكشف عن فهم قاصر للتعصّب المذهبي المنبوذ وهذا بلا شكّ فهم مختلف عن نهج الأفغاني الذي كان انموذجاً في التوازن وكان (مالك بن نبي) أوّل من لحظ هذه الحقيقة في هذا المنهج حين قال : «لكن يبدو أنّ جهود هؤلاء العلماء ـ رغم أنّها لا تغفل الجانب الاجتماعي في علم التفسير ـ لم تحدّد منهجها الكامل فالتفسير الكبير الذي ألّفه الشيخ طنطاوي جوهري إنتاج علمي أشبه بدائرة معارف أمّا تفسير الشيخ رشيد رضا فلم يضع هو الآخر هذا المنهج فقد كان همّه أن يخلع على المنهج القديم صبغة عقل جديدة ومع أنّه لم يعدّل طريقة التفسير القديم تعديلا جوهرياً فإنّه قد خلق في الصفوة المسلمة التي تعشق التجديد الأدبي اهتماماً بالنقاش الديني»(١).
__________________
(١) الإمام الصدر مفسّراً. مقال في مجلة قضايا إسلامية ص ٢٨٠ ـ ٢٨٣ ، الظاهرة القرآنية : ٥٩.