الطعن الذي وجّهه إلى الشيخ ابن الجندي فلنستمع إليه: «سمعت أبا بكر البرقاني ذكر ابن الآبنوسي فلم يحمد أمره، وقال: سألني عن كتاب الجامع الصحيح لأبي عيسى الترمذي فقلت: هو سماعي لكن ليس لي به نسخة، وقال أبو بكر: فوجدت في كتب ابن الآبنوسي بعد موته نسخة بكتاب أبي عيسى قد ترجمها وكتب عليها اسمي واسمه، وسمّع لنفسه في النسخة منّي، فذكرت أنا هذه الحكاية لحمزة بن محمّد بن طاهر الدقّاق فقال: لم يكن ابن الآبنوسي ممّن يتعمّد الكذب، لكنّه كان قد حُبِّبَ إليه جمع الكتب، فكان إذا دخل له كتاب ترجمه وكتب عليه اسم راويه واسمه قبل أن يسمعه، ثمّ يسمعه بعد ذلك»(١).
ولا نريد هنا الخوض في غمار دراسة هذه النسبة إلى الآبنوسي ومدى صحّتها بقدر ما نريد القول إنّ ممارسة مثل هذه التهم من مثل الآبنوسي ليس من المنهج العلمي في شيء ويذكّرنا بالمثل المشهور: رمتني بدائها وانسلّت.
وهناك نقطة أخرى يجب التنبيه عليها وهي أنّ نسبة الكذب والتدليس انتحال تراث الآخرين والتي جاءت من قبل الآبنوسي لو كانت صحيحة لاشتهرت في الأوساط العلمية آنذاك وتناقلها الشيوخ والرواة ولم تعد تبقى لشيخنا ابن الجندي مكانة علمية سامية وهو على العكس تماماً ممّا نراه في الواقع الخارجي حيث نجد الكثيرين من أعلام أهل السنّة وفطاحلهم في الحديث ـ كما سنلاحظ عند سرد أسماء تلامذة الشيخ ابن الجندي ومواضع رواياتهم عنه ـ قد اعتمدوا على شيخنا ورووا عنه الجمّ الغفير من الروايات ولنضرب مثلاً بالشيخ
__________________
(١) تاريخ بغداد ٥ / ٢٧٤.