الذهني) في دلالة الالتزام ، ويعلّل ذلك بالقول إنّه «لولا اللزوم الذهني لم يُفد إطلاق اللفظ في المعنى الخارج عن الماهية»(١) ، وذلك لأنّ اشتراط اللزوم الخارجي يعني اشتراط وضع الألفاظ للوازم معانيها الخارجة عنها ، أي أنّ الواضع عندما وضع لفظاً ما لمعنى معيّن ، فإنّه كان ناظراً لذلك المعنى المطابقي وللوازمه أيضاً في الوقت نفسه ، وهو ممّا يأباه العقل والطبع الإنساني ، فالعقل البشري لا يتصوّر أنْ يكون الواضع قد نظر إلى جميع لوازم اللفظ المحتملة؛ لاختلاف تلك المعاني التي يمكن أنْ يتحمّلها اللفظ بالدلالة الالتزامية؛ لأنّ اللفظ الموضوع لمعنى معيّن بدلالة المطابقة قد يتحمّل دلالات التزامية مختلفة تختلف باختلاف أفراد المجموعة اللغوية وباختلاف الزمن.
ولندلّل على كلامنا نأتي بالمثال الآتي :
لفظ (الخيل) ، فإنّه يدلّ على (الحيوان الصاهل) المعروف بدلالة المطابقة ، وربّما يدلّ في زمن معيّن مضى وعند جماعة العرب أو بعضهم على (الحرب) أو على (البطولة) بالدلالة الالتزامية ، في حين أنّه قد يدلّ عند آخرين في زمن آخر كما في زمننا ـ عند بعض الناس ـ على سباق الخيول وما إلى ذلك دون أنْ يتبادر إلى ذهن هؤلاء المعنى الالتزامي السابق ، مع أنّ المعنى المطابقي هو ذاته.
كما أنّه لم يعهد أنْ يوضع اللفظ لمعناه المطابقي ومعانيه الالتزامية ، فلم يُعهد من أحد ما أنّه قال إنّ لفظ (البصر) ـ مثلاً ـ وضع للبصر ولعدمه أيضاً!
__________________
(١) شرح نهج البلاغة للبحراني ١/٦.