إذا كان الأمر كذلك فيما يدركه الإنسان بالحواس ، فهو نفسه فيما قد يتصوّره في ذهنه وإنْ لم يكن موجوداً خارج الذهن ، كما ذكرت سابقاً ، وإنّما كان البيان التقريبي فيما يُدرك بالحواس تقريباً للفكرة لا حصراً لها.
إذا وضح ذلك ، فيمكننا القول : إنّ اللفظ الذي يكون تصوّر معناه في الذهن مانعاً من اشتراك غيره فيه ، كما في تصوّر لفظ (محمّد) العلم المعيّن في شخص ، كأنْ يكون المشار إليْه محمّد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكما في تصوّر لفظ (القلم) المشار إليْه في قولهم : (هذا القلم) ، فإنّ (محمّداً) هنا لا يتصوّر الذهن سوى شخص واحد ، والأمر نفسه في لفظ (القلم) ، فإنّهما معيّنان ويمتنع اشتراكهما مع غيرهما ، إنّ مثل هذَيْن اللفظَيْن هو (الجزئي) ، ولذلك صحّ تعريف الشيخ : «[ما كان] نفس تصوّر معناه مانعاً من وقوع الشركة فيه»(١).
في حين إنّ هناك ألفاظاً لا يكون تصوّر معناها في الذهن مانعاً من اشتراك غيرها فيه ، فلو تصوّر الذهن ـ مثلاً ـ ألفاظ (زيد) و (محمّد) و (علي) ، فمع أنّ كلاًّ منها لفظٌ جزئي (حال كوْنها أعلاماً) ، إلاّ أنّ للذهن أنْ ينتزع مفهوماً مشتركاً بينها ، وهو مفهوم (الإنسان) ، فيصحّ وصف كلّ واحد منهم بـ : (الإنسان) ، فإنّ تصوّر الذهن لمعنى لفظ (الإنسان) لا يمنع اشتراك أكثر من واحد فيه ، فيكون لفظ (الإنسان) لفظاً كلّياً.
والشيخ مَيْثَم إذْ يعرّف اللفظ الجزئي ، فإنّه يكتفي به من دون أنْ يورد تعريفاً كاملاً للكلّي ، وإنّما يكتفي بالقول (أو غير مانع) ، أي : أو أنْ يكون
__________________
(١) شرح نهج البلاغة للبحراني ١/٣٣.