رابعاً : إنّ ظاهر السؤال كان عن مياه الطرق الواقعة بين مكّة والمدينة أو بينها وبين العراق ونحوها من الأمكنة التي لا وجود للمياه الجارية فيها غالباً ، ومن المنقول أنّهم كانوا يعمدون تلك الأيّام إلى بعض الأمكنة فيجعلون فيها حياضاً تُسقى من آبار هناك وأمكنة يُعدّوها لاجتماع السيول فيها ، وقد أشير إليها في الروايات بـ : (السقايات) و (ماء السبيل).
ويستفيض المصنّف في نقاش موضوع البحث نقضاً وإبراماً ويورد العديد من آراء الفقهاء في ذلك المجال ويردّها ثمّ يوصلنا إلى نتيجة مبناه فيقول :
«والتحقيق عندي في الجواب أنّ المقصود بالإفادة بمثل هذا الكلام أمران : أحدهما : عموم المنطوق ، والثاني : عموم المفهوم ، والرواة قد فهموا حكم المفهوم من ذلك كذلك ولذلك سكتوا عن الاستفسار ، وإلاّ فمثل هؤلاء الأجلاّء كزرارة ومحمّد بن مسلم وأضرابهما من فضلاء الرواة ومحقّقيهم كيف يسكتون ويرضون بفهم بعض المقصود مع توفّر حاجة الأمّة إلى ذلك ـ ولاسيّما زرارة الذي من عادته تنقيح الأسئلة والفحص عن جملة فروع المسألة ـ ويقنعون باستفادة أنّه إذا نقص عن كرٍّ نجّسه شيء ما؟! ويرشدك إلى ما ذكرنا جوابه عليهالسلام في صحيحة محمّد بن مسلم الأولى من تلك الروايات المتقدّمة لمّا سُئل عن الماء تبول فيه الدوابّ وتَلِغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب ، قال : «إذا بلغ قدر كرٍّ لم ينجّسه شيء» فإنّه من الظاهر البيّن أنّ السائل أراد السؤال عن حال هذا الماء بعد وقوع هذه الأشياء أو أحدها فيه وأنّه هل ينجس بمجرّد ملاقاتها أم لا ، فأجابه عليهالسلام بوجه عامّ وقاعدة كلّية في كلّ ماء وكلّ نجاسة وهو التحديد ببلوغ الكرّية وعدمه ،