أ ـ الخبر المتواتر :
وطالما كان مدار قبول الخبر صدقه وسلامة نقله ، أصبح معرفة عدد الناقلين للخبر أمراً مهمّاً ، لأنّ العقل يدلّل على أنّ تتابع الرواة على نقلِ نصٍّ بعينه ـ شرطُ عدم تواطئهم على الكذب وتباين أحوالهم ـ يورث اليقين بصحّته. وهذا هو التواتر.
وقد أشار القرآن الكريم إلى مفهوم التواتر بقوله : «(ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنا تَتْرَا كُلّمَا جَاءَ أُمَةً رَسُوْلها كَذّبُوْهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضَاً وَجَعَلْناهُم أَحَادِيْثَ فَبُعْدَاً لِّقَوْم لاّ يُؤْمِنُوْنَ) (١) ، و «قوله : تترا ، مصدر ، كدعوى وذكرى وشورى ، وهو من المواترة ، وهي أن يتبع الخبر الخبر ، والكتاب الكتاب فلا يكون بينهما فصل كبير»(٢).
فالخبر المتواتر ـ لفظاً أو معنىً ـ هو «خبر جماعة يؤمن تواطؤهم على الكذب عادةً»(٣) ، و «يفيد بنفسه القطع بصدقه» ، بمعنى إن «بلغت سلاسله في كلّ طبقة حدّاً يؤمن معه تواطؤهم على الكذب ، فمتواتر»(٤).
ولابدّ من ملاحظة مقدّمتين في الأخذ بالخبر المتواتر :
الأولى : أن يكون الجامع المشترك بين الرواة في رواية ما هو اتّفاقهم على الصدق وعدم اجتماعهم على الكذب ، مع تباين أحوالهم.
__________________
(١) المؤمنون : ٤٤.
(٢) مجمع البيان ٤ / ١٠٧.
(٣) قوانين الأصول ١ / ٤٢١.
(٤) الوجيزة : ٢.