وقوله : ( قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ ) (١) الآيات ، وغيرها .
وفي الحديث المشهور : «كلّ مولود يولد على الفطرة لكن أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه» (٢) .
واعلم أنّ هذه الحالة ليست مقصورة على العوام ومتابعة الآباء فقط ، بل كما تبيّن ممّا بيّنّاه وظهر من الآيات التي ذكرناها وغيرها أنّ عمدة هذه المصيبة العظمى والبليّة الكبرى ما هو بين المتعلّمين والعلماء الذين هم مناط اعتماد الناس ، فإنّ من المعلوم الواضح أنّ مبدأ تحصيل كلّ محصّل ـ ما سوى الأنبياء والأوصياء ـ هو التعلّم والأخذ ممّن يعتقد أنّه أعلم منه ، وهذا يقتضي أن يعتقد بصحّة ما عنده وحقّيّة ما علمه ؛ إذ لا قدرة له على تمييز أكثر الدقائق وحقّ الأقوال في مبدأ الحال ، وعلى هذا يأخذ كلّ ما يأخذ منه على وجه التصديق والتسليم ، ويرسخ ذلك في ذهنه ، وهذا مع الوداد الذي من لوازم المعاشرة لاسيما بين المتعلّم والمعلّم خصوصاً في المتعلّم ، والاعتياد في المتابعة الذي يزداد بطول المدّة يستلزم زيادة الرسوخ وتمكين التصديق يوماً فيوماً ، بحيث ربّما ينجرّ الأمر إلى أن يحكم ببداهة صحّة ما يكون واضح البطلان من قول اُستاذه .
فإذا نشأ على هذه الحالة إلى أن استغنى عن التعلّم ، وعُدّ من العلماء ، وكملت جودة ذهنه ، وقويت مادّة فكره ، فحينئذٍ :
إمّا أنّه ممّن يدركه التوفيق من اللّه عزوجل فيراجع إلى ما مضى عليه قاصداً لتحقيق ما هو الحقّ من ذلك ، وتمييز ما هو المرشد إلى الصواب ،
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ : ٣٨ .
(٢) الأمالي للمرتضى ٢ : ٨٢ ، غريب الحديث للهروي ٢ : ٢١ ، مسند أحمد ٢ : ٤٦٤ / ٧١٤١ ، غريب الحديث لابن قتيبة ١ : ٣٤٩ / ٦١ ، تأويل مختلف الحديث : ١٢٨ ، وفي النسخ المعتمدة ورد : « وينصّرانه . . . » وما أثبتناه من المصادر .