من قاس إبليس حين قال : ( خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) فقاس ما بين النار والطين ، ولو قاس نوريّة آدم بنوريّة النار عرف فضل ما بين النورين ، وصفاء أحدهما على الآخَر» (١) .
أقول : مراد الإمام عليهالسلام الإشارة إلى ما صحّت روايته عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه أخبر : «بأنّ اللّه تعالى خلقه قبل سائر الخلق مع عليّ عليهالسلام من نور عظمته» (٢) ؛ ولهذا قال ـ فيما صحّ روايته عنه عند المخالف والمؤالف ـ : «خُلقت أنا وعليّ عليهالسلام من نور واحد» (٣) .
ثمّ إنّه خلق أرواح الأنبياء والأوصياء من النور أيضاً ، ثمّ أودع نور النبيّ وعليّ عليهماالسلام صلب آدم عليهالسلام ، فالأمر بالسجود كان لذلك النور ، مع ما كان في آدم من الكمالات الباهرة التي ذهل عنها ذهن إبليس فوقع في تيه التلبيس ، كالعلوم الكاملة المأخوذة من اللّه ، كما أشار إليه بقوله سبحانه : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ) (٤) ، ولا شكّ أنّ الأعلم أفضل ، وكالطينة الطيّبة التي كان أصلها من علّيّين ـ كما سيأتي في نقل حال طينة النبيّين ـ وكالنيّة الصادقة والإخلاص الخالص الذي كان له في طاعة ربّه ، كما أشار إليه عزوجل في أمثال قوله : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا ) (٥) ، وكغيرها من الصفات الحسنة التي لا يعلم بها إلاّ خالقها ؛ ولهذا اختصّ الخالق جلّ شأنه
__________________
(١) الكافي ١ : ٤٧ / ٢٠ (باب البدع والرأي والمقائيس) ، الاحتجاج ٢ : ٢٧١ / ٢٣٨ .
(٢) الفضائل لابن شاذان : ١٢٩ .
(٣) الكافي ١ : ٤٤٦ / ٦ (باب ما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم عليهمالسلام ) ، علل الشرائع ١ : ١٣٤ / ١ باب ١١٦ ، معاني الأخبار : ٥٦ / ٤ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٥٨ / ٢١٩ ، المناقب لابن شهرآشوب ٣ : ٣١١ ، مقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي: ٥٠ ، تذكرة الخواصّ : ٥٠ ـ ٥١ .
(٤) سورة البقرة ٢ : ٣١ .
(٥) سورة آل عمران ٣ : ٣٣ .