بعض المخلوقين عن مرتبته ، بحيث ادّعوا فيهم بعض خصائص الخالق .
ومنهم : الغُلاة بأجمعهم ، حتّى أنّه يدخل فيهم أيضاً نفاة الصفات ، بل الحقّ أنّ كلّ من جعل للرأي مدخلاً في أمر من الاُمور الدينيّة ، فهو داخل تحت مصداق الغلوّ عياناً ، بل التشبيه أيضاً أحياناً وإن لم يكن ذلك في حقّ الخالق والمخلوق ؛ ضرورة تحقّق الغلوّ أيضاً برفع مخلوق إلى مرتبة مخلوق أعلى منه ، كدعوى النبوّة ـ مثلاً ـ لمن ليس بنبيّ ، أو ادّعاء فضيلة أو مرتبة جليلة كالإمامة ـ مثلاً ـ لمن ليست له ، لا سيّما إذا كانت تلك الدعوى لدفع من له تلك الحالة ؛ إذ جميع ذلك مثل ما صدر من إبليس من القياس والشبهة والتلبيس .
ولا بأس إن بيّنّا بعض أفراد هذا المرام ، فإنّه لازم البيان في هذا المقام ، حيث يظهر منه زلّة أقدام كثير من الأعلام ، حتّى الشهرستاني الذي نطق أوّلاً بذكر أصل مادّة الكلام ، ثمّ رأى الإجمال خيراً له ، حيث تفطّن بدخول الضرر عليه ، لا سيّما في تعيينهم الإمام ، فلهج فيما بَعْدُ على نهج لا يخرج عن الإبهام ، كما هو دأبهم فيما يضرّهم من تفصيل الكلام وتبيين المرام .
فاعلم أنّ الناس في أمر الدين على مسلكين : رحمانيّ ، وشيطانيّ ، لا ثالث لهما :
فأحدهما : ترك الاستبداد بالرأي وإدخال الخيالات العقليّة في الدين بالكلّيّة ؛ حيث إنّ مناط التديّن عند أصحاب هذا المسلك في جميع الاُمور صغيرها وكبيرها ، اُصولاً وفروعاً ، من أحوال الواجب إلى أرش الخدش ليس إلاّ الأخذ من اللّه عزوجل ولو بواسطة بشر معيّن من اللّه تعالى ، كنبيّ أو وصيّ بالشروط الآتية في محلّها ، من غير لزوم ملاحظة كونه موافقاً للنظر