البنيان ، حيث تبعوه في جميع أوامر ربّهم بالمخالفة والمجادلة على حذو أوّل ما استبدّ به من ترجيح إفادة الرأي والعقل بقياسه ، وما أتبعه به من شبهه على إطاعة أمر الربّ ، كما حكى اللّه سبحانه عن جماعة منهم أنّهم قالوا لنبيّهم : ( مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ ) (١) ، الآية ، وأمثال ذلك كثيرة ، منها : قول فرعون : ( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ) (٢) ، الآية وغيرها.
فإنّ هؤلاء أيضاً استكبروا فجادلوا بمثل قياس إبليس ، حيث قالوا حينما دعوا إلى إجابة أمر اللّه بالانقياد للأنبياء : بأنّهم بشر مثلنا ، بل نحن خير منهم فيما نرى من الدنيا ، فلا إطاعة لهم علينا ولا حاجة لنا إليهم ؛ لكفاية ما فينا من كمال العقل وقدرة الاستدلال به والاستنباط منه عن الرجوع إليهم ، حتّى نُقل عن بعض الفلاسفة أنّه لمّا سمع ببعثة عيسى عليهالسلام وإحيائه الميّت العتيق ، قال : قولوا بنبوّته فإنّه صادق في دعواه ، فقيل له : ألا تؤمن أنت به ؟ قال : هو مبعوث عليكم لا على مثلي الماهر في مناهل العلم ! ولا يخفى أنّه بعينه قول إبليس في ترك السجود لآدم عليهالسلام .
ثمّ إنّ أكثر هؤلاء أيضاً تبعوا إبليس فيما مرّ من شُعب أصل شبهته ، كمطالبة العلل ، وتفتيش الحِكم ، ونقضها وتقريرها على وفق أفهامهم ، واستحسان عقولهم ، كما هو معلوم من كتبهم ، وكقياس الخالق بالمخلوق وبالعكس ، وكذا بعضهم ببعض ، حتّى دخلوا في الغلوّ والتشبيه جميعاً كلاًّ من جهةٍ (٣) .
__________________
(١) سورة هود ١١ : ٢٧ .
(٢) سورة الزخرف ٤٣ : ٥٢ .
(٣) في «ش» : «جهته» .