أمّا أوّلاً : فلأنّ جميعهم شاركوا في ادّعاء التساوي مع الأنبياء ، بل تفوّق بعضهم عليهم ، حتّى في فهم حقائق الأشياء كما تقدّم آنفاً ، بل اللاّزم من كلام بعضهم دعوى المساواة في ذلك مع ربّهم أيضاً ، وظاهر أنّ في هذا دخولاً في إفراط الغلوّ ؛ من حيث رفعهم بعضهم إلى ما ليس له من رتبة غيره ، حتّى في معرفة العلوم الإلهيّة ، مع الدخول في تفريط التشبيه أيضاً ؛ من حيث توهّمهم كون علم البارئ من قبيل علومهم ، وأنّ حالات الأنبياء من قبيل أحوالهم ، كما ينادي به قولهم : إن هم إلاّ بشر مثلنا (١) ، حتّى نزّلوهم بذلك عن مراتبهم التي رتّبهم اللّه فيها ، ودفعوهم عن مقامهم ، واستكبروا عن إطاعتهم ، بل رجّحوا ـ كما ظهر ـ في الطاعة عليهم غيرهم ممّن لم يكن لهم (٢) ذلك ، كما في قولهم : ( إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا ) (٣) الآية .
وأمّا ثانياً : فلأنّ في عقائد كثير من أرباب هذه المذاهب ـ مع شدّة اختلافها ـ أشياء مستلزمة للغلوّ والتشبيه صريحاً ، كأقوال المتفلسفة الذين زعموا وجود العقول العشرة في قِدَمها وتجرّدها ومدخليّتها في الإيجاد بالعلّيّة الفاعليّة ، وأمثال ذلك ممّا هو مختصّ باللّه لا شريك له ، وفي دعوى كون الواجب فاعلاً موجباً غير مختار ، لا سيّما في خلق العقل ونحو ذلك ممّا هو ناشئ من توهّم التشبيه في الذات أو الصفات ، وكفى في ذلك قولهم : ( مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) (٤) .
ولو حاولنا نقل شرذمة ممّا لهم من أمثال هذه الأوهام لطال الكلام
__________________
(١) اقتباساً من قوله تعالى : ( إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ) سورة إبراهيم ١٤ : ١٠ .
(٢) في «ش» : «له» .
(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٦٧ .
(٤) سورة يس ٣٦ : ٧٨ .