بغير طائل في هذا المقام ، فلنرجع إلى بيان سائر أقسام ما مرّ من المسلك الشيطاني .
فاعلم أنّ من اُولئك الذين على هذا المسلك أيضاً الطوائف الذين آمنوا بربّهم وصدّقوا نبيّهم ودخلوا في الدين ـ حيث لم يتشوّشوا في ذلك بما مرّ من خطوات الشيطان وشبهات ذلك اللعين ، كأكثر أهل الملل السابقة وعامّة المسلمين ـ لكن وقعوا فيما بَعْدُ من بعض الجهات وببعض أسباب الجهالات في مصائد خدائع غروره المذكور ، بحيث استوثقهم بها وثاقاً لم يمكنهم به الفرار من هفوات قول الزور ، فكم من سابح في بحر ضلال آرائه الغريق ! وكم من محترق بنار خيال قياسه الحريق !
فإنّ فريقاً منهم احترقوا بنار شبهة قياسه في حقّ الذين قاموا مقام الأنبياء من بعدهم ، وفي معرفة صفاتهم ، بل بعض صفات الأنبياء أيضاً ، وبعضهم غرق في بحر ضلالة التفكّر في ذات اللّه وصفاته وأفعاله ، وبعضهم وقع في ذلك بالنسبة إلى تكليفات العباد ، وبعضهم بالنسبة إلى أحوال المعاد ، بل الحقّ أنّ مدار ضلال هؤلاء أيضاً يدور على طبق شُبه سابقيهم ، وبنحو ما ألقى الشيطان من الرأي والقياس فيهم ، كما هو مفاد ما مرّ في فصول الباب السابق من قوله تعالى : ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ) (١) ، وما بمعناه من الأخبار وغيرها (٢) .
وخلاصة توضيح ذلك : أنّ كلّ اُمّة من هؤلاء وإن اهتدوا في تسليم نبوّة نبيّهم بدلالات النصوص والفضائل التي كانت من اللّه فيهم من غير توجّه إلى ما تبيّن أنّه من خطوات الشيطان إلاّ أنّهم بعد نبيّهم صاروا
__________________
(١) سورة الانشقاق ٨٤ : ١٩ .
(٢) راجع الجزء الأوّل ، الفصل الخامس .