وبالجملة : هذه الوجوه التي ذكروها ـ بل غيرها أيضاً ـ لا تدفع عمّا نحن فيه من إباء عمر شيئاً ممّا أوردنا عليه من البشاعة من حيث الرأي والقياس وترتّب الفساد منه والضرر على الناس ، لا سيّما إذا لوحظ كون ذلك الإباء في قبال تصريح النبيّ صلىاللهعليهوآله بأنّه يريد بما أمرهم أن يجمعهم على أمر لا يتطرّق به الضلال إليهم أبداً ، كما هو ظاهر على من له أدنى فهم وبصيرة .
بل بعد هذه الملاحظة مع التدبّر في خلاصة ما ذكرناه ، حتّى من لسان القوم أيضاً في أصل منشأ القياس وشُبهه يتّضح كمال الوضوح أنّ هذا الإباء ما ترك في المطابقة والمشابهة شيئاً ممّا مرّ في أقيسة السابقين ، لا سيّما قياس إبليس وشُبهه ، حتّى أنّه كما أنّ إباء ذلك عن السجود صار سبباً لوقوع بني آدم في الخطأ والضلال ، صار إباء هذا أيضاً سبباً لوقوع هذه الاُمّة في الخطأ والضلال .
هذا ، مع أنّه كانت هاهنا زيادة تأكيد وبيان في الأمر لم تكن هناك ، أعني التصريح بعلّة التكليف ، ونفع قبول الأمر ، وضرر الخلاف ، كما هو مفاد قوله : «لن تضلّوا» ، فتأمّل في جميع ما ذكرناه هاهنا حقّ التأمّل ، حتّى تظهر لك دلالة هذا الحديث على فضائح عظيمة تعدّى المخالفون عنها بالتغافل .
ثمّ إنّ الشهرستاني ، وكذا الآمدي وغيرهما قالوا : ومن جملة اختلاف الصحابة ونزاعهم ما كان في مرض النبيّ صلىاللهعليهوآله أيضاً ، فنقلوا حكاية التخلّف عن جيش اُسامة (١) ، وهي حكاية مشهورة مسلّمة ، نقلها المخالف والمؤالف ، وستأتي في محلّها ، وخلاصتها :
__________________
وفدك للجوهري : ٤٥ ، دلائل النبوّة للبيهقي ٧ : ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، السنن الكبرى ٨ : ١٤٩ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٥١ ، و١٣ : ٣١ .
(١) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ٢٣ ، شرح المواقف ٨ : ٣٧٦ ، الطرائف ٢ : ١٥٨ .