المداراة والتقيّة ، وترك منازعة الحُكّام وإن كان جائراً دنيئاً (غير قابل) (١) ، كما ظهر سابقاً ويظهر فيما بعد أيضاً ، لا ما زعموه من أنّ ذلك لحقّيّتهم ؛ إذ ليس في العبارة ما يشعر به ، فضلاً عن التبادر . وعلى أيّ تقدير ، دلالته على ذمّ الاختلاف ممّا لا كلام فيه ، فافهم .
وفي كتب عديدة ، منها : صحيح الترمذي وقال : إنّه حسن صحيح غريب (٢) ، ومنها : كتاب الحميدي وغيرهما : عن عمر ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال في حديثٍ له : «عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة» (٣) .
وفي كتاب الزوائد لعبد اللّه بن أحمد بن حنبل : عن النعمان بن بشير (٤) ، قال : قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : «الجماعة رحمة والفرقة عذاب» (٥) .
أقول : لا يخفى أنّ بعد ملاحظة هذين الخبرين وأمثالهما ـ ممّا سيأتي في محلّه ـ مع سائر الأخبار الصريحة في ذمّ الاختلاف لا يبقى شكّ في أنّ المراد بالفرقة هاهنا أيضاً هو إظهار الاختلاف ، لا ما سيظهر بطلانه من كون كلّ اتّفاق جماعةٍ حقّاً .
كيف لا ! وفي الكتاب الكبير والأوسط للطبراني : عن ابن عمر ، عن
__________________
(١) ما بين القوسين لم يرد في «ن» .
(٢) سنن الترمذي ٤ : ٤٦٥ / ٢١٦٥ .
(٣) كتاب السنّة لابن أبي عاصم ١ : ٤٢ / ٨٨ ، جامع الاُصول ٦ : ٦٦٩ / ٤٩٧٢ ، نصب الراية ٤ : ٢٥٠ ، الجامع الصغير ١ : ٤٢٩ / ٢٧٩٥ .
(٤) هو النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري ، يكنّى أبا عبداللّه ، استعمله معاوية على الكوفة وحمّص وكذا يزيد ، وهو من الذين أرسلتهم نائلة زوجة عثمان بقميصه إلى معاوية لتأليب الناس وإثارة الفتنة ضدّ عليّ عليهالسلام ، مات سنة ٦٥ هـ .
انظر : المعارف لابن قتيبة : ٢٩٤ ، الجرح والتعديل ٨ : ٤٤٤ / ٢٠٣٣ ، الاستيعاب ٤ : ١٤٩٦ /٢٦١٤ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ١٢٩ / ١٩٤ ، معجم المؤلّفين لعمر كحالة ١٣ : ١٠٣ .
(٥) المصدر غير متوفّر لدينا ، وحكاه عنه الهيثمي في مجمع الزوائد ٥ : ٢١٧ .