نعم ، إنّما يمكن أن يكونوا مصداق هذا اللقب إن فسّروه بغير هذا المعنى ، كأن يكون مرادهم ـ مثلاً ـ بالسنّة : طريقة عامّة الصحابة بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله ؛ حيث أنّهم كما تركوا التمسّك بالعترة علماء التنزيل والتأويل ، ولم يفهموا من الكتاب إلاّ الشيء القليل ، شرعوا في الاعتماد على ما استحسنه عقلهم العليل ، فقالوا في دين اللّه ما قالوا ، وتبعهم هؤلاء ، والجماعةِ : اجتماعهم يوم السقيفة ، أو مطلق جماعة الصحابة ، بل مطلق جماعة الاُمّة ، أي أكثرهم .
وممّا يؤيّد هذا ما سيأتي في بيان مذهب الجبريّة ، وما نقله أكثر أهل الكتب ومؤرّخيهم : أنّ بني اُميّة جدّوا في سبّ عليّ عليهالسلام وسمّوه سُنّة حتّى اشتهر بهذا الاسم بين الناس اشتهاراً زائداً ؛ بحيث إنّ عمر بن عبد العزيز لمّا منع الخطباء عن السبّ ، فأوّل ما خطبوا ولم يسبّوا صاح الناس : أين السنّة! أين السنّة! لِمَ ضيّعتم السنّة ؟ (١) .
وبالجملة : لا كلام في تسميتهم السبّ سُنّة ، ولعلّ أصل اشتهار هذا اللقب كان أوّلاً لهذا ، ثمّ لمّا ارتفع ذلك وبقي هذا اللقب حملوه على غير ذلك المعنى !
ومن العجائب أنّ جمعاً من معتزلة بغداد من حيث إنّهم قالوا بضلال معاوية وأصحابه ، وبتفضيل عليّ عليهالسلام على سائر الصحابة اتّخذوا لأنفسهم إطلاق لفظ الشيعة ، وقالوا : إنّما الشيعة نحن ، وسمّوا الإماميّة بالرافضة! ولم يعلموا أنّ الإماميّة من حيث متابعتهم عليّاً وذرّيّته الأوصياء عليهمالسلام من كلّ جهة ، لا سيّما مع قولهم بما قال هؤلاء أولى بهذا اللقب وأحقّ ، كما قال
__________________
(١) انظر : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ : ٢٢٢ .