لهذا سمّوا قدريّة أيضاً .
ثمّ لهم مذاهب سخيفة اُخرى تركناها حذراً من الإطالة بلا طائل ؛ لما سيظهر من ضلالتهم والمطاعن الواردة عليهم ، حتّى أنّهم أنكروا الحسن والقبح العقليّين ، وحاصل كلامهم في ذلك : أنّ الفعل في نفسه لا له حسن ولا قبح ، بل هما تابعان للشرع ، بحيث لو أمر الشارع بالكذب المضرّ ، وأذيّة صاحب الإحسان ، ومَنَع عن الصدق النافع ، وشكر المنعم ، صار الأوّل حسناً واقعاً والآخر قبيحاً ، حتّى أنّه لو أثاب الكافر وعذّب المؤمن صار ذلك حسناً ؛ ولهذا يلزمهم تجويز أن يعذّب اللّه سيّد المرسلين على طاعته ، ويثيب إبليس على معصيته ، ويُدخل موسى عليهالسلام النار وفرعون الجنّة ! ومنه يلزم سفاهة من أتعب نفسه في الطاعة ، كما لا يخفى .
فمن هؤلاء : الجهميّة أصحاب جهم بن صفوان .
قال الشهرستاني : هو من الجبريّة الخالصة ، ظهرت بدعته بـ «ترمذ» في زمن بني اُميّة ، لكنّه موافق للمعتزلة في نفي الصفات القديمة الزائدة ، بل زاد عليهم بحيث لم يجوّز اتّصاف البارئ بوصف يوصف به خلقه ؛ استناداً إلى دعوى كونه تشبيهاً ، مثلاً : نفي كونه حيّاً عالماً ، وأثبت كونه قادراً فاعلاً خالقاً .
قال : ومن مذهبه نفي علم البارئ بالشيء قبل خلقه .
وقال : ومن مذهبه أنّ الإنسان لا يقدر على شيء ولا يوصف بالاستطاعة ، وإنّما هو مجبور في أفعاله ، لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار ، وإنّما يخلق اللّه تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات ، ونُسبت الأفعال إليه مجازاً ، كما تُنسب إلى الجمادات ، فيقال : أثمرت