كلّها من اللّه (١) . ولم يدركوا أنّ أيّ تعظيم للّه في نسبة خسائس العبيد ورذائلهم إليه ! وأيّ نسبة بين جلال اللّه الخالق وحقارة العبد المخلوق ؛ حتّى يتكمّل سبحانه بنسبة أفعالهم القاصرة وتدبيراتهم الناقصة إليه ! وكيف يتصوّر لعاقل أن يجوّز احتمال لزوم المشاركة المذكورة بين المخلوق وخالقه الذي في غاية الجلالة ، مع أنّ أدنى ذي فهم لا يرضى أن يحكم بأنّ سائس الملك شريك له في السياسة ؟ !
وأعجب من هذا أنّهم زعموا أيضاً أنّ الاعتقاد بأنّ العباد يقدرون أن يفعلوا أشياء باختيارهم يقتضي عجز اللّه تعالى عن العباد ، حيث يقع منهم ما لا يريد من المعاصي (٢) ، ولم يدركوا أنّ أيّ عجز يلحق بالمالك إذا جعل عبده مختاراً لأفعاله ، سواء فعل العبد ما يكره المولى أو ما يحبّ ؛ إذ معلوم أنّ المولى إن أراد قهر عبده لقهره ، ولقد كفى في هذا قوله تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) (٣) ، وكذا ما مرّ في التبيان ، فافهم .
ثمّ إنّ من هؤلاء المذكورين : النجّاريّة (٤) ، أصحاب الحسين بن محمّد النجّار (٥) وبشر المريسي ، ومحمّد بن عيسى الملقّب بالبرغوث (٦) .
__________________
(١) انظر : الطرائف ٢ : ٧ .
(٢) انظر : الطرائف ٢ : ٨ .
(٣) سورة النحل ١٦ : ٩ .
(٤) انظر : الملل والنحل للشهرستاني ١: ٨٨ ـ ٩٠ .
(٥) الحسين بن محمّد بن عبداللّه النجّار الرازيّ ، من أجلّة المجبّرة ومتكلّميهم ، وكان حائكاً ، أو يعمل الموازين ، من أهل «قمّ» ، وله كتب منها : المخلوق ، الصفات والأسماء ، إثبات الرسل وغيرها ، مات سنة ٢٢٠ هـ .
انظر : الفهرست لابن النديم : ٢٢٩ ، الأعلام ٢ : ٢٥٣ .
(٦) محمّد بن عيسى الجهمي ، يكنّى أبا عبداللّه ، وله كتب ، منها : الاستطاعة ،