والحقّ أنّه كان يقول واقعاً أو ظاهراً بإمامة محمّد بن الحنفيّة بعد الحسن والحسين عليهماالسلام (١) ، ومن ادّعى أنّه كان قائلاً بإمامة محمّد بعد أمير المؤمنين عليهالسلام مقدّماً على الحسنين عليهماالسلام فقد توهّم .
نعم ، من الكيسانيّة فرقة يقال لهم : الحنّانيّة أصحاب حنّان بن زيد السراج (٢) ، وهم الذين قدّموا محمّداً في الإمامة على الحسنين عليهماالسلام ، وقالوا : إنّهما كانا داعيين إليه وأميرين من قِبَله ، وإنّ الحسن إنّما دعا إليه في باطن الدعوة بأمره ، وإنّ الحسين عليهالسلام ظهر بالسيف بإذنه .
وعمدة استنادهم في إمامة محمّد مطلقاً ما نقلوه من أنّ عليّاً عليهالسلام قال له يوم الجمل : «أنت ابني حقّاً» (٣) ، وكذا أعطاه الراية ذلك اليوم .
قالوا : وكلاهما آية الإمامة ؛ لكون أمير المؤمنين عليهالسلام صاحب راية النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولأنّ قوله له : «أنت ابني حقّاً» بمعنى : أنت الإمام بعدي ، أي أنت شبيه لي في هذا (٤) .
ولا يخفى سخافة الوجهين جميعاً ؛ لوجوه كثيرة :
منها : إنّ عليّاً عليهالسلام إنّما قال ذلك له مدحاً لما تبيّن منه (٥) من الشجاعة ، تداركاً لتوبيخه إيّاه أوّلاً حين قصّر في الجهد ، ويدلّ على هذا
__________________
انظر : أعيان الشيعة ٢ : ٢٠٠ ، الحور العين : ١٨٢ ، الكامل لابن الأثير ٤ : ٢٥٧ ، الوافي بالوفيات ٦ : ٩٩ / ٢٥٢٨ ، الأعلام ١ : ٥٨ .
(١) انظر : الفِرَق بين الفرق : ٣٨ ـ ٣٩ / ٥٢ ، الملل والنحل للشرستاني ١ : ١٤٨ .
(٢) لم نعثر على ترجمته .
(٣) الفصول المختارة : ٣٠١ (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ، ج٢) ، الغيبة للطوسي : ١٨ ، الصراط المستقيم ٢ : ٢٦٧ .
(٤) انظر : الفصول المختارة : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ، ج٢) .
(٥) في «ش» : «له» بدل «منه» .