الفصل الثاني
في بيان أنّ منشأ التفرّق والاختلاف إنّما هو تفاوت أفراد المدركات ، مع الوقوع بسبب خطوات الشيطان وتلبيساته في الشبهات ، مثل ما مرّ من متابعة الآراء (١) والأسلاف والهوى والشهوات ، وكالتمسّك في الدين بالظنّ والتخمين ، ممّا يدخل تحت الاعتبارات العقليّة والاجتهادات الظنّيّة ، وما يفيده الرأي والقياس والاستحسان (٢) ، وأمثال هذه التخيّلات التي منها الاعتماد على ما استقرّ عليه الجمهور ، وصار من القول أو الفعل المشهور ؛ بحيث سمّاه الأكثرون إجماعاً وتلقّوه بالقبول ، وإن كان في الأصل بحسب خرص بعض العقول ، ونذكر فيه ما يدلّ على بطلان هذه الأشياء ، وعدم كونها من سنن الأنبياء .
لا يخفى أن لا مجال للشبهة في كون تفاوت مراتب الأفهام من أسباب اختلاف الخاصّ والعامّ ، وقد تبيّن ممّا سبق من البابين الأوّلين مفصّلاً أنّ متابعة الآباء ورغبة شهوات الدنيا كذلك أيضاً ، وكذا كونهما مذمومين بنصّ القرآن ، بل من عمدة خطوات الشيطان في إضلال الإنسان .
ولكن من أعظم خطواته ما أضلّ به زَهَدة (٣) العلماء أيضاً ؛ حيث
__________________
(١) في «ش» : الآباء .
(٢) في «ش» : الاستحسانات .
(٣) في «ش» : زبدة .