زيّن لهم جواز التعبّد بما أشرنا إليه آنفاً ويأتي تفصيله أيضاً ، من التخيّلات العقليّة والاستنباطات الظنّيّة التي سمّوها اجتهاداً ، فإنّ عامّة من لم يأخذ مسائل دينه من العترة المقرونين بالقرآن ـ كما سيأتي ـ تشبّثوا غصباً عليهم ـ كما ذكرنا سابقاً ـ بالاعتماد في الدين على مقتضى دلالة الآراء والأهواء ؛ بحيث خَبطوا بذلك في الدين خَبطَ عَشْواء ، وتفرّقوا واختلفوا بذلك في جُلّ أحكام الملّة البيضاء ، حتّى صار كلّ واحد منهم كأنّه نبيّ شريعته ورسول (ملّته) (١) ، وحتّى كأنّ اللّه ورسوله صلىاللهعليهوآله قصّرا عندهم في إكمال الدين وتبليغ أحكام المسلمين ، مع أنّ وضوح بطلان ذلك عقلاً ونقلاً كالشمس في رابعة النهار :
أمّا أوّلاً : فلأنّه مستلزم للتفرّق والاختلاف الذي تبيّن فساده ، وكونه علامة الضلالة والبطالة ، وما يستلزم ذلك (فهو) (٢) كذلك .
وأمّا ثانياً : فإنّه مستلزم لتكذيب اللّه ورسوله صلىاللهعليهوآله ، وهو كفر صريح بالضرورة الدينيّة ، فالمستلزم لذلك (٣) أيضاً كذلك .
بيان الملازمة أنّهما أخبرا بإكمال الدين وإتمام النعمة والحجّة ، وتبيان كلّ شيءٍ ، وعدم التفريط في أمرٍ ، كما ينادي بذلك قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) (٤) الآية ، وقوله فيه : ( تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) (٥) وقوله : ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) (٦) وأمثالها ممّا
__________________
(١) في «ش» : أهل ملته .
(٢) في «ش» : فهو أيضاً .
(٣) في النسخ زيادة (له) والظاهر زيادتها، فتأمل .
(٤) سورة المائدة ٥ : ٣ .
(٥) سورة النحل ١٦ : ٨٩ .
(٦) سورة الأنعام ٦ : ٣٨ .