يتوهّم بادئ الرأي من ظاهر لفظة البداء حيث إنّه ممدوداً ، بمعنى : ظهور رأي لم يكن ، حتّى قال الجوهري وغيره : بدى له في هذا الأمر بداءٌ ممدودٌ ، أي : نشأ له فيه رأي (١) ؛ إذ لا شكّ في أنّ ذلك كفر وضلال ، وادّعاء لما هو في حقّ اللّه محال ، لا سيّما عند الإماميّة الذين بيّنّا خلاصة اعتقادهم في علم اللّه تعالى ، وتفسيرهم إيّاه بأنّه لا يجهل شيئاً ، واتّفاقهم على كونه عين الذات قديماً لا يتغيّر ولا يزول ، بل عندهم أنّ إطلاق هذا وأمثاله على نوع من التجوّز ، كالوجه واليد والاستهزاء والمكر وغيرها ، كما سيأتي بيانه ، وكفى هاهنا شاهداً قوله تعالى : ( يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ) (٢) وأشباهه .
وقال الصادق عليهالسلام : « ليس شيء يبدو للّه تعالى إلاّ وقد كان في علمه ، إنّ اللّه لا يبدو له عن جهل » (٣) .
وقال عليهالسلام : « من زعم أنّ اللّه عزوجل يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فأبرؤوا منه » (٤) .
وقد صرّح جماعة أيضاً من قدماء علماء الإماميّة وأرباب نصوصهم بهذا ، حيث قالوا : ليس البداء كما يظنّه جُهّال الناس بأنّه بداء ندامةٍ ، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً (٥) ، بل كما أنّ نسخه بعض الأحكام ليس من جهل
__________________
(١) الصحاح ٦ : ٢٢٧٨ ، أقرب الموارد ١ : ٣٤١ ـ بدأ ـ .
(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥١ .
(٣) تفسير العيّاشي ٢ : ٣٩٨ / ٢٢٥٠ .
(٤) الاعتقادات للصدوق ٤١ / ١٠ (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ، ج ٥) ، كمال الدين ١ : ٧٠ .
(٥) انظر : كمال الدين : ٧٠ .