عمّا أخبرت به الرسل عن ربّها أيكون للّه البداء فيه ؟ قال : « أما إنّي لا أقول لك : إنّه يفعل ، ولكن إن شاء فعل » (١) .
وقد ورد في الأخبار أيضاً أنّ البداء إنّما يكون فيما يكون إذا كان الشيء في مرتبة المشيئة والإرادة والقدر على ما مرّ (٢) في ذكر مراتب التقدير والكتابة في اللوح ، وأمّا إذا انتهى إلى حدّ إمضاء القضاء فلا بداء .
هذا خلاصة قول الإماميّة المأخوذ من الأئمّة عليهمالسلام في البداء ، ومعناه وموضعه ، ومن أراد تفصيل ذلك أزيد ممّا ذكرناه فعليه بالرجوع إلى بعض كتبهم المفصّلة (٣) ، فتأمّل حتّى تعلم أنّ مخالفيهم اتّخذوا مذهب اليهود والفلاسفة في إنكار البداء .
ومع هذا طعنوا على الإماميّة بل بعضهم على الأئمّة عليهمالسلام أيضاً ـ مع كونهم مسلَّمين في كلّ فضل علماً وعملاً عند كافّة الاُمّة ـ بما هو فرية صريحة عليهم ، فإنّ أكثرهم قالوا : قالت الرافضة : البداء جائز على اللّه ، وهو أن يعتقد شيئاً ، ثمّ يظهر له أنّ الأمر بخلاف ما اعتقده ، وتمسّكوا فيه بقوله تعالى : ( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) (٤) (٥) ، وفيه ما لا يخفى من ادّعاء جهله تعالى ببعض الأشياء : انتهى كلامهم .
وقد ظهر أنّه محض الافتراء على هذه الطائفة المنزّهة ربّهم عن جميع النقائص ، بل هم الذين نسبوا في كثير من الموارد إلى ربّهم
__________________
(١) الاُصول الستّة عشر (كتاب حسين بن عثمان بن شريك) : ٣٢٢ / ٥١٤ .
(٢) في ص ٤٣٧ .
(٣) انظر : بحار الانوار ٤ : ٩٥ / ٢ وما بعده .
(٤) سورة الرعد ١٣ : ٣٩ .
(٥) التفسير الكبير للرازي ١٩ : ٦٦ .