الباب الخامس
في بيان ما فيه نوع امتحان أيضاً ممّا خصّ اللّه به هذه الاُمّة ، وهو : أنّ اللّه عزوجل لمّا فضّل حبيبه محمّداً صلىاللهعليهوآله على جميع النبيّين ، وأرسله رحمةً للعالمين ، وأراد أن يكون دينه ناسخاً لسائر الأديان ، وباقياً إلى يوم الدين ، رفع بفضل إحسانه عن اُمّته عذاب الاستئصال الذي كان قد يصيب الاُمم الماضين ، وأنّه لمّا كان ذلك مقتضياً لعدم تصريحه بطائفة من أوامره العظام التي كان يعلم بعلمه الكامل أنّه إن صرّح بها وحصلت المخالفة ، ولو من بعضهم استوجبوا عذاب الاستئصال الذي لم يكن يريده لهم ، جعل في بيان تلك الأوامر نوع إجمال ، وذكرها على سبيل التعريض دون التصريح ، موضّحاً لها على اُولي البصائر بالقرائن الظواهر ، وجعل سبب بقاء من خالف فيها ولو مع التعريض وجود الطائفة المحقّة التي تلقّوها بالقبول الذي به يتحقّق معنى ما ورد في هذه الاُمّة من عدم اجتماعهم على الخطأ والضلال ، كما حقّقناه عن قريب .
وفيه ذكر ما يوضّح أنّ أمر إمامة عليّ عليهالسلام كان من هذا القبيل ، بل هو في ملاحظة هذه العلّة هو الأصل الأصيل .
اعلم أنّ كلّ من تأمّل صادقاً في أكثر ما نُقل من سيرة رسول اللّه صلىاللهعليهوآله مع أهل زمانه ، حتّى عامّة أصحابه ، وتدبّر في مضامين كثير من الآيات القرآنيّة ، تبيّن له تبياناً واضحاً أنّ مدار النبيّ صلىاللهعليهوآله كان على الصبر والمداراة في أكثر المواضع التي يجد فيها مخالفةً بل كراهةً من قوم بجهة من