ولمّا طلب الفهري العذاب أمره أن يخرج من بين المسلمين ؛ ولهذا أنزل اللّه تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (١) ، ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) ونحو ذلك ، وكلّفه بالستر والتأليف والعفو ، والإعراض عن الاعتراض ، كقوله تعالى : ( فَاعْفُ عَنْهُمْ ) (٣) وقوله : ( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ) (٤) . وقوله : ( وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (٥) وأمثالها من الآيات التي مضى بعضها في الفصل الذي أشرنا إليه .
ولا يخفى أنّ هذا كلّه يقتضي أن لا يصرّح بشيء يعلم من حالهم عدم قبولهم إيّاه ، وإجهارهم بالمخالفة والمعاداة والارتداد بإلزامه صريحاً عليهم ، لا سيّما في أمر الإمامة لعليّ عليهالسلام ؛ لكمال عداوة أكثرهم له ، كما صرّح به المخالفون أيضاً ، وكفى فيه حكاية الفهري ، وقوله تعالى : ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٦) وغير ذلك .
وممّا يدلّ على ما ذكرناه صريحاً ما رواه جمع في جملة احتجاج أمير المؤمنين عليهالسلام على الزنديق الذي جاء إليه مستدلاًّ بآيات من القرآن متشابهة تحتاج إلى البيان ، فقالوا : إنّه كان من جملة سؤاله أنّه قال : إنّي أجد اللّه يقول : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (٧) وقد أرى مخالفي الإسلام معتكفين على باطلهم ، غير مقلعين عنه ، وأرى غيرهم من أهل
__________________
(١) سورة الأنبياء ٢١ : ١٠٧ .
(٢) سورة القلم ٦٨ : ٤.
(٣) سورة آل عمران ٣ : ١٥٩ ، سورة المائدة ٥ : ١٣ .
(٤) سورة النساء ٤ : ٦٣ ، ٨١ ، سورة الأنعام ٦ : ٦٨ ، سورة السجدة ٣٢ : ٣٠ .
(٥) سورة النحل ١٦ : ١٢٥ .
(٦) سورة المائدة ٥ : ٦٧ .
(٧) سورة الأنبياء ٢١ : ١٠٧ .