الفصل الأوّل
في بيان عموم تغاير الآراء في الأنام واختلاف الأذهان والأفهام ، بحيث صار سبب شتات المذاهب والأحكام من بدء الخلقة إلى آخر الأيّام ، وذكر ما ورد في ذمّ الاختلاف والتفرّق لا سيّما في الدين ، وأنّه علامة الهلاكة والضلالة وطريقة المبطلين ، وأنّه لم يكن جائزاً أبداً في شريعة أحد من المرسلين ؛ ضرورةَ عدم تطرّق الاختلاف إلى حكم اللّه المبين .
ولنذكر أوّلاً الآيات ، ثمّ الروايات ، ثمّ سائر الشواهد والمنقولات ؛ ليتّضح صحّة هذه المذكورات مع وضوحها في نفسها ، لا سيّما بعد ملاحظة ما في الفصول السابقة واللاّحقة وغيرها :
قال اللّه عزوجل : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ) (١) .
وقال سبحانه :( لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ) إلى قوله تعالى : ( وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) (٢) .
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) إلى
__________________
(١) سورة هود ١١ : ١١٨ ـ ١١٩ .
(٢) سورة الحجّ ٢٢ : ٦٧ ـ ٦٩ .