ثمّ قال في موضع آخَر من صحيحه أيضاً : باب تعليم النبيّ صلىاللهعليهوآله اُمّته من الرجال والنساء ممّا علّمه اللّه ليس برأي ولا تمثيل ولا قياس ، ثمّ روى أيضاً ما يدلّ عليه من الأخبار (١) .
وقال القاضي عياض في كتاب الشفا ما خلاصته ـ كما سيأتي مفصّلاً في محلّه ـ : إنّ علوم الأنبياء كلّها كانت جبلّيّةً بغير اكتساب لا كسائر الناس ، كما ينادي به ظهور وجود العلم في بعض منهم من زمن الصبا ، كيحيى بن زكريا وعيسى عليهماالسلام ، وغيرهما ، وإنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كان كذلك وكان عنده علم ما كان وما يكون ، كما أخبر عن أكثر الأشياء الآتية والماضية ، وكما قال سبحانه : ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) (٢) (٣) ، وإنّه من هذه الجهة لم يُتصوّر في حكمهم اجتهاد ، ولم يكن في أحكامهم خطأ ولا اختلاف ، وذكر مثل هذا الكلام كثيراً ، كما سيأتي .
وهذا كلّه صريح في عدم احتياج النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى التعبّد بالرأي ونحوه ، وأنّه كان منزّهاً عن ذلك .
وهذا بعينه مذهب الإماميّة فيه وفي أوصيائه الأئمّة عليهمالسلام بنصّ أئمّتهم على ذلك ، ويشهد لهم ما هو معلوم ثابت من انتقال الإمامة إلى بعض الأئمّة في صغر سنّه ، كأبي جعفر الجواد عليهالسلام وغيره ، وهو يومئذٍ في أكمل مراتب العلم ، وسيأتي في محلّه توضيح سبب اختلاف بعض أجوبتهم لبعض الناس، وقد مرّت سابقاً أيضاً الإشارة إلى أنّ ذلك لم يكن لأجل العمل بالرأي، فافهم.
ولنذكر أيضاً نبذاً من نصوص بعض علماء القوم في ذمّ الرأي والقياس ، وبطلان التعبّد بذلك مع ابتلائهم به :
__________________
(١) صحيح البخاري ٩ : ١٢٤ .
(٢) سورة النساء ٤ : ١١٣ .
(٣) انظر : الشفا للقاضي عياض ١ : ٢٠٧ .