المعنى : إنّ اللّه لا يُسأل عمّا يفعل حيث لا حكم عليه ولو جبّر (١) ، بل المراد : أنّ اللّه عزوجل حكيم عليم لا يفعل إلاّ ما فيه المصالح العظيمة ، والحِكم الجسيمة وإنْ لم نعلم نحن بذلك ؛ لِجهلنا وعجزنا ، ولا كلام للجاهل على العالم ، بل يجب علينا أن نقطع بأنّ جميع أفعاله على وجه العدل والحكمة والصواب وإن لم ندرك نحن من تلك الوجوه شيئاً .
فلو كان الشيطان صادقاً في دعواه تسليم علم اللّه وقدرته ، وأنّه الإله الحكيم الذي لا يفعل إلاّ ما هو الأحسن الأصوب ، لَعلم أنّ كلّ ما فعله ربّه جلّ شأنه هو الحقّ الذي فيه المصالح العظيمة ، وأنّ عدم إدراكه لها ليس لعدمها ، بل لخفائها عليه ، لقصوره عن كمال العلم، فلم يكن يتكلّم بما تكلّم.
هذا ، مع أنّه من تأمّل صادقاً علم أنّ شُبهه كلّها مبنيّة على آراء استحسانية وقياسات خيالية ، يظهر كمال سخافتها عند معرفة حكمة إيجاد الخلق والاطّلاع على مصالح وضع التكليف ، فإنّ مجمل ذلك ـ كما يستفاد على ما سيأتي ، بل مرّ أيضاً من كلام علماء أهل البيت الذين أخذوا علومهم من الرسول صلىاللهعليهوآله الآخذ من اللّه عزوجل ـ أنّ (٢) من عمدة أسباب إيجاد هذا العالم ووضع دار التكليف : أن يتبيّن ـ تبياناً تماماً ـ المطيع لإرادة ربّه فيما خلقه اللّه عزوجل لأجله من إجابة ما أمره به على مقتضى حكمته ومشيئته من العاصي عن ذلك ، يتميّز عياناً الطيّب المستحقّ للطيّبات من المثوبات
__________________
تكليف ما لا يطاق جائز ، وأنّ كلّ موجود يصحّ أن يُرى والبارئ تعالى موجود فيصحّ أن يُرى ، ومذهبهم في الوعد والوعيد ، والأسماء ، والأحكام ، والسمع والعقل مخالف للمعتزلة من كلّ وجه .
انظر : الملل والنحل للشهرستاني ١ : ٩٤ ، دائرة المعارف الإسلامية ٢ : ٢١٨ ، ومجمع البحرين ٣ : ٣٥١ .
(١) انظر : الملل والنحل للشهرستاني ١ : ٨٧ ، ١٠٢ .
(٢) في «م» : أنّه .