والدتي قدّس سرّها في عالم الصبا ـ وأنا ملتفت في عالم الرؤيا إلى أنّ لبسها للسواد من أجل ولدها المظلوم أرواحنا فداه ولعن الله من ظلمه ـ وكنت لا انظر إليها زعماً منّي حرمة نظري إليها ، لغفلة عن كونها جدّتي .. غاية ما هناك إنّها سيّدتي .. وكنت أتحدّث معها وتتحدّث معي .. فلمّا مضى يسيراً إلتفتُّ إلى أنّ أُمّي علوية ، وأ نّها جدّتي ، وأنـّه يحلّ لي النظر إليها .. فرفعت رأسي وجلست ونظرت إليها .. فكأ نّها البدر ليلة تمامه وكماله.
ثم بعد ما تحدّثنا مدّة ، وردت والدتي قدّس سرّها علينا في نهاية الأدب(١) ، وسلّمت وخفضت برأسها يسيراً ، وقالت(٢) لها : إنّ الغداء حاضر .. فنظرت سلام الله عليها إليَّ نظر استفهام للقيام .. فأشرت إليها بأنّ الأمر إليك ، ونحن رقيقك .. فقامت وقمت معها ، فتقدمت ولحقتها ولحقتني والدتي قدس سرها ، وصعدنا حجرة الشيخ قدّس سرّه .. وإذا الحجرة وما فرش فيها في نهاية البياض ، ولا يرى من خارجها إلاّ أشجار ، وكان الخان(٣) منصوباً ،
__________________
(١) تحدّث الشيخ الجد طاب رمسه عن والدته العلوية هذه في كتابه مخزن المعاني ٠/٨٧ ـ ٩٣ ، وعبّر عنها بـ : العلوية الحسيبة ، والعفيفة الجليلة ، محترم بيگم بنت السيّد الجليل الحسيب السيّد محمود التبريزي رحمهما الله .. ثم ذكر جملة وافرة من فضائلها ومكارمها وما أنشد هو فيها وما قيل عنها بعد وفاتها ..
(٢) في الأصل : وقال .. ولا معنى لها.
(٣) الخان : بمعنى السفرة ، مأخوذ من الخوان : المائدة ، وهي كلمة معرّبة ، كما في لسان العرب ١٣/١٤٦ ، وقال : والخَوان والخِوان : الذي يؤكل عليه ، معرّب ، والجمع أخونة في القليل ، وفي الكثير : خِون. ولاحظ : كتاب العين ٤/٣٠٩ ، ومجمع البحرين ٦/٢٤٥ .. وغيرهما.